أشار مدير مكتب رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي في جنيف مارون كيروز إلى أنّ "الخطة الاقتصادية بمفهومها يجب أن تتضمن جدولًا زمنيًا وحلولًا بنيويّة للمشاكل الأساسية، وهذا ما هو غائب عن خطة الحكومة". وقال إنّ "الحكومة اللبنانية طلبت من صندوق النقد مبلغ 10 مليار دولار الذي يُعدّ مبلغًا لا يستهان به، فمن المحتمل إعطاء الحكومة 3،7 مليار والباقي يحتاج إلى آلية استثنائية أيّ أنه من المرجح أن تخضع لإعتبارات سياسية وليس فقط إقتصاديّة، الأمر الذي يصعّب الأمور بسبب إعتبار بعض المجتمع الدولي أن الحكومة تطبّق أجندا حزب الله. وتوجد مؤشرات الى رفض الإدارة الأميريكيّة مساعدة البلاد قبل إجراء الحكومة لإصلاحات جديّة ولا يمكن أن نغض النظر عن أنّ الولايات المتحدة هي أكبر المساهمين في صندوق النقد الدولي". ووضح كيروز "حتى حصول الحكومة على مبلغ الـ3.7 مليار قد يحتاج الى الإسراع في تنفيذ برنامجها الإصلاحي".
واعتبر خلال لقاء عبر تطبيق "Zoom" مع خلية جامعة إدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية، بالتعاون مع جهاز التنشئة السياسية في حزب القوات اللبنانية، أنّ "العناصر الأساسية التي ساهمت في انهيار الوضع الاقتصادي هي خدمة الدين العام وتضخّم الرواتب والأجور في القطاع العام وعجز قطاع الكهرباء."
ولفت إلى أن "أحد أسباب لجوء الحكومة إلى صندوق النقد هو خدمة الدين العام الذي يشكّل 35% أيّ 6 مليارات دولار تقريبًا من موازنات الدولة، ممّا يُعدّ نسبة غير مسبوقة في العالم على فترة زمنيّة بهذا الامتداد. وبالتالي، لا بدّ على الحكومة إعادة هيكلة الدين ولو أن طريقتها كانت عشوائية وغير محضّرة. وتطرح الحكومة اليوم إعادة هيكلة الدين بتخفيض 40 مليار دولار تقريبًا. لكن تطبيق هذه الخطوة كان ضبابيًا، إذ لم تعلن عن قصّ الودائع أو ما يعرف بالـ"haircut" مباشرة، إنّما استخدمت عبارة "استعادة الفوائد المفرطة" من دون أيّ معيار أو تفسير لتحديد ما المقصود في ذلك".
وذكر أن "الحجم الأكبر لدين الدولة يقع بيد المصارف و70% من أموال المصارف هي موظفة لدى الدولة، وبالتالي أموال المصارف تأتي من المودعين"، كاشفًا أن "من المستحيل على الدولة أن تتمكن من تخفيض دينها من دون إجراء عملية الـ"haircut" لو بأشكال متنوعة.فما يجري الآن هو هيركات مقنّع، عبر غلاء الأسعار وسحب الناس لقسم من ودائعها بالعملة الصعبة على أساس سعر صرف أقلّ مما هو عليه في سوق الصرافين وغيرها، لذلك من المستحسن أن يجري الـ "haircut" مرة واحدة وبشكل مباشر وصريح بدل أن يتم خلسةً عبر قضم القدرة الشرائية للمواطنين".
وقال إنّ "ما يثير الانتباه هو تركيز الخطة بحدود 50% على مصرف لبنان وتحميله الجزء الأكبر من الخسارة التي قدرتها بمجموع 82 مليار دولار، علمًا أن هذا التقدير غير دقيق وغير سليم من حيث المنهجية الإقتصادية. وحمّلت مصرف لبنان خسارة بـ42 مليار دولار تقريبًا، ممّا يُعتبر تضليلًا. وبالتالي يظهر هذا الأمر أن الحكومة تسعى إلى تحميل كل الخسارة لل"المركزي" بهدف التستر عن كون من يتحمّل مسؤولية الدين هي الحكومات المتعاقبة منذ 1992 التي لا تستطيع الحكومة الحالية التصويب المباشر عليها لأن الأفرقاء الذين شاركوا فيها سابقًا هم اليوم خلف الحكومة". وتابع كلامه قائلًا إنّ "هذا الأمر لا يعفي مصرف لبنان من المسؤولية، بل من خلال سياساته المالية أجّل الانفجار الاقتصادي، إنما هذه النتيجة أتت بسبب استدانة الحكومة من المصرف المركزي مرات عدة". وأشار إلى أن "المصرف يحمل 60% من سندات الخزينة بالليرة اللبنانية بالإضافة إلى 6 مليار دولار سندات اليوروبوند، بحيث يكون قد خالف قانون النقد والتسليف الذي يمنع إقراض الحكومة إلا بحالات استثنائية وعند الضرورة القصوى بحسب المادة 91 منه".
وشدد على "أمر إضافي في الخطة الحكومية لجذب الأموال إلى لبنان غير المساعدات الدولية، لكن الحصول عليها شبه مستحيل؛ وهو استعادة الأموال المحولة إلى الخارج قبل 17 تشرين الأول 2019"، مذكّرا أنّ "حتى يومنا هذا لم يقر قانون الـ" كابيتل كونترول" ما يعني قانونية التحويل".
وأردف "استعادة الأموال المنهوبة أمر صعب أيضًا ضمن الآليات الحاليّة"، معطيًا المثل التالي "ساني أباشا في نيجيريا وفرديناند ماركوس في الفلبين اشتهروا بنهب المال العام في كل من بلدهما وبعد سقوطهم من الحكم ومحاكمتهم تم الحصول فقط على 400 أو 500 مليون دولار تقريبًا. أما على الصعيد الوطني، فنعاني انعدام استقلالية القضاء ما يصعّب مهمة استرداد هذه الأموال".
وأضاف "البند الأكبر من موازنات الدولة هو رواتب وأجور القطاع العام التي تقدّر بـ6.5 مليار دولار في السنة. لكن أداء هذا القطاع غير منتج نهائيًا، وإنّ إقرار سلسة الرتب والرواتب كان قرارًا مدمّرًا للاقتصاد. وللتذكير، أدّى إقرار سلسلة الرتب والرواتب سنة 1992 أيضًا إلى انهيار اقتصادي. فمن الواضح أن حكامنا لم يتعلموا من أخطائهم وأخطاء من سبقهم"، داعيًا إلى "اتخاذ إجراءات أكثر جذرية من حيث الإصلاح".
وأردف "تطرقت الحكومة إلى الأمور الأساسية كالتعليم والطبابة وتوفير شبكة أمان للمواطنين بشكل هامشي جدًا، وحددت تنفيذها بالاتكال على التمويل الخارجي كالقروض أو الهبات من جهات دولية. فيجب أن يكون هذا الموضوع في صلب الخطة لا على هامشها"، معتبرًا أن "الحكومات منذ سنة 1943 لم تعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية وفقًا لما تنص عليه المادة ج من مقدمة الدستور".
وتابع "إن ضخ الدولار في الأسواق من قبل مصرف لبنان غير كافي لوحده لتهدئة مسار الاقتصاد. فسنة 1992 استنزف مصرف لبنان معظم احتياطه ولم ينجح في الحد من انحدار سعر صرف الليرة. وفي ظل انعدام الثقة والدعم الخارجي واستمرار المفاوضات مع صندوق النقد، من الأفضل أن يحتفظ مصرف لبنان على احتياطه ليبقى قادرًا على دعم المواد الأساسية. وإن أي تدخّل منه بشكل عشوائي لن يوقف ارتفاع سعر الصرف إلّا لفترة محدودة جدًا ونعود بعدها لمرحلة الانهيار".
وقال إنّ "المطلوب اليوم بصورة عاجلة لوقف انحدار سعر الصرف هو الاتفاق مع الجهات المانحة على مساعدة طارئة، بالإضافة إلى إقرار قانون الـ"كابيتال كونترول" لوضع حد لاستنسابية المصارف في السماح للناس بالتصرف بودائعهم".
واعتبر كيروز أن "الكلام عن الحريرية السياسية بالوصول إلى ما نعيشه يدخل ضمن "بروباغندا النظام السوري ومؤيديه" بشكل أساسي"، متابعًا: "صحيح أن لتيار المستقبل سياسات إقتصادية قد نختلف عليها، إلا أنه لا يجب أن نغفل أن النظام السوري كان هو صاحب القرار لأي موضوع اقتصادي أو مالي وكان مايسترو كل السياسات في فترة الاحتلال. وبالتالي يعتبر النظام السوري المسؤول المباشر عن هذه السياسات الذي سعى من خلالها أن يحوّل لبنان الى واجهة اقتصادية ومالية على الغرب لتغطية فساده وأعماله غير الشرعية".
ولفت إلى أن "بالوضع الذي نعيشه وفي ظل عدم جدية الحكومة الظاهرة الى حد هذه اللحظة في تنفيذ الإصلاحات الجريئة، فإننا ذاهبون إلى أسوأ من وضع التي مرّت به اليونان لكن أفضل من وضع فنزويلا. وفي تصوّر لمسار الأزمة في لبنان، فإننا ذاهبون إلى مستوى أعلى من البطالة التي ستصل من 40 إلى 50%، ونسبة فقر قد تتخطى الـ60% على نمو سيصل إلى -20%. وفي ظل هذه المعطيات ووفقًا للمسار الحالي سوف ننتظر حتى عام 2040 حتى يعود اقتصادنا الى حجمه في عام 2019، وهذه بحد ذاتها مأساة كان الشعب اللبناني بغنى عنها".
وقال إنّ "خيار صندوق النقد بالطبع لا يمكن أن يكون الخيار الأول أو المفضل لأي دولة، إنما يعتبر الخيار الوحيد المتاح في هذه الظروف لإعادة ضخ الدولار في السوق"، طالبًا مِن "من لديهم بديلًا عن صندوق النقد أن يقدموه".
واعتبر أنّ "في حال تنفيذ كافة الإصلاحات من دون شوائب ولا نواقص من معالجة الدين العام والقطاع العام وملف الكهرباء وغيرها، فعند تحرير سعر الصرف، في الظروف المؤاتية والتوقيت المناسب، قد يؤدي الى عودته سعر الى مستوى 1500 ليرة للدولار، لكن هذا ما يتطلب خطوات واضحة وجدية وشفافية كبيرة في إدارة الدولة".
وأشار إلى أن "الاقتصاد والسياسة لا ينفصلان، وأكبر برهان على هذا هو حديث الأمين العام لـحزب الله حسن نصر الله عن إنعاش الاقتصاد اللبناني من باب عودة العلاقات مع النظام السوري. حتى إنّ إدخال أكثر من 5300 موظف بطريقة غير شرعية من قبل بعض الأحزاب كان له بعد سياسي واقتصادي في آن معًا، نظرًا الى الإعتبارات الإنتخابيّة المحيطة به".
وختم قائلًا "الوضع مأساوي إذا استمرينا في الطريقة نفسها، وبالتالي في أي لحظة تتم الدعوة فيها إلى انتخابات نيابية ويغيّر مسار الأمور ونشكّل حكومة جدية تكافح الفساد، تتغيّر هذه النظرة. فسيكون الغرب العرب إلى جانبنا، وبمجرّد تنظيف "الدرج من فوق لتحت"، يصبح للبنان كامل الإدارة لمنافسة دول المنطقة وسنكون من أكثر الاقتصادات التي تتمتع بالتنافسية في المنطقة".