بسبب الوضع الصّحّي العصيب الذي نمرّ به وتعذّر توزيع مجلّة آفاق الشّباب، إليكم تقرير "نجم وسطع - قصّة نجاح مارون كيروز"، من العدد ٨٩ من مجلّة آفاق الشّباب.
لا يدفن العمل الحزبي المرء ولا يُعيق مستقبله. كلّنا ذقنا عناء المسائلة ذاتها: بما سينفعكم العمل الحزبي؟ اليوم، قصّة نجاح لرفيقٍ لنا تعكس عدّة موازين وتقلب وجهة النظر هذه رأسًا على عقب. قد يكتسب المرء من مصلحة الطلّاب في "القوّات" أكثر ممّا نراه بالعين المجرّدة، ويمكننا بكلّ صدقٍ وثقة، أن نعتبر منبر مصلحة الطلّاب، الانطلاقة الأقوى لنا حيث أنّ ما نختبره في العمل الطالبي، يُعتبر القيمة المضافة التي يبحث عنها الآخرون من كلّ حدبٍ وصوب وفي كلّ الثقوب، لكن... سُدىً!
كيروز في مصلحة الطلّاب
بدأ مارون كيروز نشاطه الطالبي الحزبي مع دائرة الثانويات في مصلحة طلّاب حزب القوّات اللبنانيّة بين عامي ٢٠٠١ و٢٠٠٢. فنشط في خليّة الجامعة اليسوعيّة - هوفلان، وانتُخب بعد عدّة سنوات رئيس الهيئة الطالبيّة في كليّة الاقتصاد، وكان أول مرشّح حزبي قوّاتي في الموقع. تسلّم مسؤوليّات عديدة في دائرة الجامعات الفرنكوفونيّة، حتّى صار رئيس الدائرة بالوكالة. كذلك الأمر بالنسبة إلى دائرة الثانويات، فقد غدا نائب رئيس الدائرة.
في مسيرته الحزبية خارج المصلحة
تدرّج كيروز في مصلحة طلّاب "القوّات"، حتى استلم رئاسة مكتب الإعداد الفكري. ومن هناك، أطلق أكاديميّة الكوادر. عبر مسيرته الطويلة في المصلحة التي تخلّلها نضالات في هوفلان في مواجهة حزب اللّه انتخابيًّا وسياسيًّا.
كيروز في فلك المعرفة
أصبح خبيرًا في الاقتصاد والعلاقات الدوليّة، ممّا خوّله الولوج إلى مكتب رئيس المنتدى الاقتصادي العالمي في جنيف، حيث أصبح مديرًا ومسؤولًا لإدارة العلاقات الحكوميّة في المنتدى، مع كلّ من السعوديّة وإيران ولبنان والعراق. عمل كيروز سابقًا في المصرف المركزي اللبناني وجمعيّة أوكسفام، كما درّس العلوم الإحصائيّة والاقتصاديّة في جامعة سيّدة اللويزة في لبنان. حاز على شهادة ماجيستير في الاقتصاد العالمي من جامعة ستافوردشاير في المملكة المتّحدة، وعلى الماجستير التّنفيذي في القيادة العالمية بالتعاون مع ثماني جامعات عالميّة، مثل جامعة كولومبيا وأكسفورد وإنسياد.
هل أثّر العمل الحزبي على مسيرة كيروز المهنيّة؟
يرفض كيروز مقولة أنّ الانتماء الحزبي يؤثّر سلبًا على عمل الفرد، إذ يعتبر أنّ الإنسان المهني يعرف كيف يفصل بين عمله ونشاطه الحزبي. لكنّ هذا الأمر يزداد أكثر صعوبةً مع وسائل التّواصل الاجتماعي حيث تُطمس الحدود بين الشخصي والمهني. بينما يؤكّد وبكلّ ثقة، أنّ الانخراط في صفوف حزب القوّات اللّبنانيّة ساهم في بناء مهاراته المهنيّة التي تعزّزت حزبيًّا بعيدًا عن أيّ مدرسة أو جامعة.
الريادة في العمل
يشبّه كيروز عمله في إدارة الأزمات والاجتماعات والتسويق وصياغة أفكار واضحة في عمله الاقتصادي بتجربته الحزبيّة، حيث تعلّم الريادة وقيادة الفريق لإنجاح عمله، مستندًا على خبرته القيادية الجمّة في مصلحة الطلّاب.
متابعة طلاّب "القوات" عن بعد
اعتبر كيروز أنّه يلاحظ عبر متابعته لعمل مصلحة الطلّاب من جنيف، ازدياد نشاط المصلحة الهادف في الآونة الأخيرة، ووصفه بالعمل المتقن بروحٍ جماعيّة وعالية الجودة. كما أثنى على المجهود الكبير الذي تبذله المصلحة للمساهمة في مواجهة فيروس كورونا.
دور الطلّاب
أعطى كيروز دورًا ثقيلًا لمصلحة الطلّاب اليوم في مواجهة الأزمات الحاليّة في لبنان، واعتبر أنّه قد يكون دور المصلحة الأهمّ منذ حقبة ١٤ آذار. كما أكّد كيروز في هذا الصّدد أنّ الوطن الذي يحتفل بمئوية لبنان الكبير، يواجه انهيارًا سياسيًّا واقتصاديًّا قد يكون الأخطر منذ حرب الـ٧٥، لافتًا إلى أنّ دور الطلّاب والشباب محوريٌّ، خصوصًا في الأزمات المصيريّة والثورات، باعتبار أنّ الطلّاب عادةً هم أكثر فئة ديناميكيّة وتقدّميّة في المجتمعات.
الانهيار الاقتصادي المحتمل
أكّد كيروز لمجلّة آفاق الشّباب أنّ "بسبب السياسات الاقتصادية والماليّة للحكومات المتعاقبة منذ ١٩٩٢، يعاني لبنان اليوم ثالث أكبر نسبة للدّين العام في العالم، وهي متّجهة نحو الارتفاع أكثر في ظلّ انكماش اقتصاديّ يتربّص بلبنان. فقد أصبح مستحيلًا على الدولة أن تكمل بتسديد هذا الدّين من دون أن يكون الأمر على حساب الفئات الأكثر فقرًا في المجتمع. ولما كان القسم الأكبر من الودائع قد قامت المصارف باستثماره في إقراض الدولة، تكون النتيجة الحتميّة لتعليق التسديد أو تخفيض قيمة الدّين لاحقًا، لا سيّما في ظلّ غياب الدعم الخارجي والمسّ بشكل أو بآخر بالودائع". وتساءل كيروز "كيف يمكن أن نطبّق هذا التصوّر الاقتصادي بشكل عادل، يقلّل إلى الحدّ الأقصى التأثير على الطبقات الهشّة، وما تبقّى من الطبقة الوسطى؟"، مؤكّدًا أنّ "بعيدًا عن التفاصيل، كما يمرّ البلد بظروف غير مسبوقة، يحتاج الوضع إلى إجراءات وشفافيّة غير مسبوقة".
كيروز يتساءل: كيف يُترجم عمل الحكومة؟
تساءل الخبير الاقتصادي "هل يشعر أيّ مواطن أنّ الحكومة الحاليّة أو السابقة أو مصرف لبنان، يطرح استراتيجيّة استثنائيّة للتّصدي لهذه الأوضاع؟ هل يجوز اليوم، بعد أكثر من ستّة أشهر على نشوب الأزمة، ألّا يُقدّم قانون لـ"لكابيتال كونترول"؟ هل يجوز أن تترك الحكومة والمصرف المركزي أمر الودائع رهن مزاج المصارف؟ هل تعاطي الحكومة مع التّعيينات الاقتصادية شكّل صفحة أسلوب جديد، أو أنّه يتوافق والأسلوب التقليدي المرتكز على المحاصصة؟ هل ترتقي الاستجابة الاقتصاديّة للحكومة لأزمة كورونا إلى آمال اللبنانيّين الذين يعانون التوقّف التّام لعجلة الاقتصاد؟ وهل هذه المقاربات منسجمة مع المادة "ج" من مقدّمة الدستور، التي تفرض العدالة الاجتماعية كمعيار أساسي في السياسة الاقتصادية؟"
مصير سعر صرف الليرة
في علم الاقتصاد، شرح كيروز أنّ لا "شكّ أنّ تثبيت سعر صرف الليرة هو سياسة مكلفة ومضرّة لتنافسيّة الاقتصاد، لكنّ المساس بسعر الصرف في ظلّ أزمةٍ ماليّة واقتصاديّة ومصرفيّة غير مسبوقة، يمكنه أن يؤدّي بشكلٍ كبير إلى تضخّم هائل ويزيد الخسائر الاقتصاديّة، علمًا أنّ ٨٥٪ من البضائع المستوردة من الصعب جدًّا خلق بدائل محليّة لها. انطلاقًا من هنا، يبقى الأساس عدم وضع العربة قبل الحصان". وأنهى كيروز كلامه قائلًا إنّ "الخطوة الأولى يجب أن تكون خطّة اقتصاديّة مسؤولة ومستدامة وشفّافة، وركيزتها العدالة الاجتماعيّة التي تعيد للدولة دورها كدولة رعاية، عوضًا عن أن تكون قناة للمنافع والبطالة المقنّعة، وكي تسمح فيما بعد بمعالجة إدمان الدولة على الدّين. لأنّ خطوة كهذه تعيد جزءًا من مصداقيّة الدولة والثّقة، وتحدّد المسار الأفضل فيما يخصّ سعر صرف الليرة".