أفرزت الانتخابات النيابية الأخيرة أكثريّة سياديّة تريد الاعتماد على الجيش اللبناني والقوى الأمنيّة باعتبارها القوى المسلّحة الوحيدة على أرض الوطن. قد تختلف هذه الأكثريّة على تسمية رئيس المجلس أو رئيس للجمهورية أو على بعض القوانين مثلًا، لكنّها تتفق على مصطلح السيادة. فالديمقراطية أي حكم الشعب يجب تطبيقها بحذافيرها لا سيّما في حكم الأغلبيّة ومعارضة الأقليّة، وإلّا سنبقى في أماكننا. والسيادة تعني أن تكون الدولة سيدّة نفسها وتسيطر على كافة أراضيها وفق الخرائط الدوليّة، وعلى حدودها وأمنها، والأهم على سياستها الداخلية والخارجية، فلا تتلقّى الأوامر من دول أخرى على كيفية حكم الدولة.
أما في لبنان، فالسيادة مخطوفة منذ قبل الحرب اللبنانيّة أي منذ إبرام اتفاق القاهرة عام 1969، مرورًا بالتدخلات الإسرائيليّة والسوريّة وكل الدول خلال الحرب اللبنانيّة وصولًا إلى الاحتلال الإيراني اليوم. البعض يسأل: هل مِن احتلال بالأساس في ظلّ غياب عسكر إيراني على أرض لبنان؟ والجواب بسيط؛ الاحتلال وفق القانون الدولي هو أن تسيطِر دولة ما على قرارات دولة أخرى حتّى لو كانت هذه القرارات تتعلّق بالعلاقات الخارجيّة وليس بالضرورة قرارات داخليّة. لذا هل تجرؤ الدولة اللبنانيّة اليوم أن تتخذ قرارًا بحلّ سلاح حزب الله وبإقامة علاقات طبيعيّة مع كل الدول، عربيّة كانت أم غربيّة؟ وهل يمكن حتّى الاعتبار بأنّ حزب الله لبنانيًّا وهو الذي يُعلِن دائمًا بأنّ "قراراته وموازناته ومعاشاته ومصاريفه من الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران"؟ وما الخطوة المقبلة إذًا لهذه الأغلبيّة السياديّة؟ وما هو موقف "القوات" من المرحلة المُقبلة؟
يكمن الاستحقاق الآتي في الاستشارات النيابية لتكليف شخصًا بتشكيل الحكومة، مع الأخذ بعين الاعتبار بأنّ هذه الحكومة لن تكون طويلة العمر نظرًا إلى قرب استحقاق مهمٍّ جدًّا في تاريخ لبنان الحديث يتمثّل في انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة. وبعد فشل "العهد القوي" وسقوط شعار "التغيير والإصلاح"، لا بدّ من تشكيل حكومة ذات الإرادة والقدرة على التغيير والإصلاح الفعلي بدءًا من وزارة الطاقة - لقد نسينا معنى الطاقة منذ تسلّم "التيار" هذه الوزارة - مرورًا بوزارة الماليّة لتصبح التعيينات في الدولة بشكل شفاف ولتسهيل التحقيق العدلي في قضيّة انفجار مرفأ بيروت، مرورًا بوزارة الدفاع ليقوم الوزير المعني بتحريك الجيش لصدّ العدو والدفاع عن لبنان وشعبه.
لهذا السبب يجب تشكيل حكومة سياديّة بامتياز تعمل على حصر السلاح بيد القوى الأمنيّة اللبنانيّة وتعمل على إنقاذ لبنان من أزمته الاقتصاديّة والحدّ من هجرة الأدمغة والاستفادة من طاقة الشباب اللبناني، ولا لطرده إلى المجهول. الظروف الاستثنائيّة تحتاج إلى قرارات استثنائيّة، والحكومة الجديدة هي التي يجب أن تجرؤ على أخذ هذه القرارات لانتشال لبنان من محنته.
ونحن، كطلّاب، نبحث عن بارقة أمل في هذا النفق المظلم، ولا نرضى بأن يتم تجاهل كل ما قيل في السنتين الأخيرتين وأن تتشكل الحكومات كما حصلت في الماضي، مع كل التعطيل الذي سُجّل آنذاك. إذ لا نرضى بأن تشكَّل حكومة لا تحترم المواطن وأدنى حقوقه الأساسيّة، ولا تعمل في سبيل المواطن ورفاهيته بل تعمل من أجل سعادة الوزير وجماعته. فالوقت يداهمنا والوطن يخلو من الشباب والطلاب الذين يبحثون عن وطن يحترمهم ويستفيد من قدراتهم وطاقاتهم. حان الوقت لأن يستفيد لبنان من ذكاء شبابه، ولا أن يتمسّك بغباء البعض.
وبالنسبة إلى لحزب القوات اللبنانيّة، فموقفه واضح منذ 1 أيلول 2019، وإعلان رئيسه بفشل ما يُسمّى "حكومات وحدة وطنيّة" وضرورة تشكيل حكومات قادرة على سدّ الثغرات الموجودة في قارب الوطن ومنعه من الغرق كليًّا وصولًا إلى إعادة تعويمه ونهوضه إلى الحياة. فاليوم، الحكومة السياديّة هي الحل، وأي رئيسٍ للحكومة المقبلة سيكون متحالفًا مع حزب الله سيرفضه حزب "القوات" وسيعارضه بشدّة، وأي حكومة وطنيّة، سيعارضه أيضًا بشدّة، لأنّ الأزمة الحاليّة تقتضي حلولًا فعّالة لا شعارات رنانة.
صحيحٌ أنّ حزب "القوات" وحلفاءه خسروا معركة رئاسة مجلس النواب ونائبه ومكتبه، إلّا أنّهم لم يخسروا حرب الاستقلال، إذ تحتاج هذه الحرب إلى الصبر والدقة في التخطيط ووحدة الصف لأنّ "إيد وحدة ما بتزقف"، وتوحيد القوى السياديّة ضرورة لإيصال صوت الشعب السيادي، وإلّا غرقنا جميعًا في محيط الموت والعار.