أخذوا مني كلّ شي يا إمي بس نسيوا إني بنت القضية
مساحة حرة SEP 07, 2020

"ليش ما بتفلي؟ معك شهادات بتخولك تشتغلي بأهم شركة، شو بعدك عم تعملي هون؟ هاجري! برا مأمن مستقبلك إنت وأهلك وخيك ليش ما بتروحي؟ كم سنة وبتأخدي جنسية وبصير كلّ العالم يحترمك! فلي، عملي مصاري بني مستقبلك وحققي أحلامك... من لبنان مش طلعلك شي!"

هيدا الحكي سمعته أول ما بلشت الثورة من عائلتي الكبيرة، من أصحابي وأقرب الناس إلي. تحمست وفتت شفت شو بدي أوراق لأقدم على هجرة. حفظت الحكي لي قالولي إياه ورحت عم خبر إمي بكلّ حماس إن قررت هاجر وأمن مستقبلي ومستقبلن.

كنت عارفي أنّ بس خبرها رح شوف الدمعة بعيونها. ولإتفادى هيدي اللحظة قلتلها "بسافر لحالي أول كم سنة بتأقلم مع الحياة برا، بحضّر البيت وبترجعوا بتجوا أنت وبيي وخيي لعندي. هيك منعيش بكرامة ومنضمن مستقبلنا".

ما ردت عليي، سكتت وما بخفي عليكن سكوتها وجعني كتير.

وراحت الإيام. عجقة أحداث بالبلد، وأزمة اقتصادية وسياسية واجتماعية، كورونا تفشى بكلّ العالم. وبعده مشروع الهجرة قائم، بعدني عم فكر فيه رغم دمعة إمي.

إنفجر المرفأ.

راحت العاصمة، ماتوا رفقاتي وما باقي منهم غير الذكريات.

ركضت عحضن إمي، بكيت وقلتلها "أخذوا مني كلّ شي مش بس أخذوا رفقاتي، أخذوا مني حلم إني إبقى هون، أن أسس مستقبلي وحقق أحلامي بوطني، أنّ إتزوج وربّي ولادي بأرضن، أنّ إكبر على أرض سقيوها شهدائنا بدمن".

أخذوا مني كلّ شي يا إمي بس نسيوا إني بنت القضية. نسيوا أنّ وقت يلي هني فلوا، ولاد القضية فديوا لبنان بدماتن. وقت يلي هني فكروا يبيعوا لبنان للغريب ولاد القضية مناعوهن. نسيوا يا إمي صوت دمعاتنا بالوقت يلي جبروا كتير منا على الهجرة. شكلن نسيوا يا إمي عناد وصلابة اللبناني يلي شربان من مياه الأرزات.

أنا ما رح فلّ رح ضلّ يا إمي. رح إتعلم وإتعب وإشتغل، رح كون عنيدة وإبقى، رح قاوم وثور على الظلم والظالم. رح ناضل وحقق كلّ لي بحلم فيه وكرّم مقاومتكم ليبقى لبنان لبناني.

هني ما قتلوني. هني كسروني وما في أقوى من المكسور بس يأخد القرار.

شدتني عصدرها، صارت تبكي متل ولد صغير حصل على أكتر لعبة بدو باها وقالتلي "رح يبقى لبنان إلنا يا بنتي". وبلحظتها عرفت قيمة دمعة كلّ إمّ بتنزل بس يقلها ولادها "بخاطرك يا إمي".

مساحة حرة SEP 07, 2020
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد