بعد الأزمة الحكومية التي دامت تسعة أشهر، يدخل البلد اليوم أزمةً جديدةً من نوعٍ آخر ألا وهي أزمة السيادة والتطبيع مع الدولة السورية التي لم ولا تعترف بوجود لبنان كدولةٍ وكيانٍ ولا بحدوده الجغرافية. وكأنّ البلد الذي يريد الأمل والنهوض من القعر تقف أموره أمام العلاقة مع دولة ونظام لا يعترف به المجتمع الدولي والعربي، حتّى قسم كبير من الشعب على أرض الدولة السورية وخارجها لا يعترف بنظام الإجرام والدمار.
بعد الحديث الذي سُجّل في أوّل جلسةٍ لمجلس الوزراء، يفتح المجال على السّاحة اللبنانيّة أمام شطرين؛ الشطر الأول يتمثّل بفريق رئيس الجمهورية وكافة قوى الثامن من آذار، ويؤيّد هذا الفريق التطبيع وعودة العلاقات بين لبنان وسوريا بحجة عودة النازحين وبشروط تفرضها سوريا. أمّا الفريق الثاني فيتمثّل بالقوّات اللبنانيّة والحزب التقدمي الاشتراكي. إذ يعارض هذا الفريق التطبيع مع سوريا ويرفضه، كما يرفض استعمال ملف النازحين كورقة ضغط لأنّ النازحين لن يعودوا إلى سوريا عبر النظام الذي هجرهم بل تكون عودتهم عبر المجتمع الدولي وبضمانته. وبين هذين الفرقين، يقف تيّار المستقبل وفريق رئيس الوزراء الذين لم يصرّحا موقفًا واضحًا وحازمًا بهذا الشّأن حتّى الآن، علمّا أنّ المستقبل كان في صلب ثورة ١٤ آذار وقدّم عددًا من شهداء ثورة الأرز.
لذا ممّا لا شكّ فيه أنّ عودة النازحين السوريين إلى بلادهم ينبغي أن تتحقّق اليوم قبل غد. وبغية تحقيق تلك العودة يكمن حلٌّ وحيدٌ وسهلٌ وواضحٌ، وذلك من خلال التنظيم مع المجتمع الدولي والأمم المتّحدة والتنسيق معها التي بدورها تقوم باتّصالاتها مع المعنيين من الجانب السوري، لتنفيذ عملية العودة. كما وأنّ المجتمع الدولي يُعدّ الجانب الوحيد الذي يوفّر الحماية للنازحين وحماية حقّهم في العودة وحماية أرض لبنان بعد العودة وقبلها من دون شروطٍ مسبقة أو مفروضة من سوريا على لبنان.
لا يختلف عاقلان على أنّ الدولة السورية ونظام الأسد المعروف بعدائه وطمعه بلبنان لا يريد عودة النازحين في الباطن ولا يريد عودة من يعتبرهم ضده أو من أعدائها. إذ لا يريد من تلك الصفقة سوى عودة نفوذه إلى أروقة قصور الحكم في لبنان معولًا على أزلامه وعملائه "الدائمين" "والمستفدين" أنّ نظام الأسد يعتبر عودة نفوذه إلى سلطة وثروات لبنان إنقاذًا وإحياءً له.
بغض النظر عن من يقرّر أو يدير سيادة البلد الخارجية، فستظل القوّات اللبنانيّة حجر الزاوية في السيادة والاستقلال اللبناني، وستواصل المقاومة لكلّ عميل أو مأجور يريد اللعب بسيادة وطن حيث دفع شهداء القوّات اللبنانيّة فاتورة سيادته، وستواجه معارضة التطبيع وستعمل لعودة النازحين السوريين من دون المس بالسيادة. لأنّ السيادة أكبر وأعظم من صفقة بواخر أو معركة رآسية ...