أجيال تسلم أجيال
مساحة حرة SEP 02, 2020

 

في لحظة مصيرية من تاريخ لبنان اتّحدت فيه قوى الطغيان والظلم على شعب عشق الحرية بكل صعوباتها ومخاطرها، فهبّ شباب وشابات هذا الشعب الجبّار كما تعلّموا من أهلهم لتلبية نداء الحق في الدفاع عن قضيتهم وكرامتهم وحريتهم الثمينة. خاضوا معارك ملحمية وواجهوا مصاعب جمة تمامًا كما فعل أسلافهم في هذه البقعة الجغرافية التي دعوها لهم وطنًا والتي اندمجت في فكرهم وروحهم وأصبحت رمز الصمود والحرية والعظمة.

في ظل ما يمر به اليوم لبنان من انحطاط وأزمات، تراود الشكوك الناس فيما يتعلق بجدوى البقاء هنا وإن كان هذا البقاء يستحق فعلًا العناء، إنّما هذا التفكير لا يشبه نهج تضحيات شهدائنا الأبرار والآمال التي وضعوها فينا وأجيال المستقبل. وهنا قد يسأل أحد ماذا ترك لنا الشهداء؟

يكون الجواب وبكل فخر وعزيمة، ترك لنا الشهداء رسالة. رسالة محورها الحب؛ حب الحياة وما يتطلبه الأمر من تضحيات. حب الوطن وما يتطلبه الأمر من تمرد دائم على الظلم والفساد. والأهم حب الحرية، فالحياة من دون حرية كجسم من دون روح. كان المقاومون باستشهادهم لنا عبرة، عبرة للمقاومة والصمود والمعنى الحقيقي للحرية. فليس الاختباء والاستسلام بحرية وقت الصعاب، إنما الحرية الحقيقية هي بحمل الأثقال على الأكتاف والاستمرار بالمواجهة. علّمنا شهداؤنا أن الوجود ليس بغاية، إنما وسيلة للطموح الدائم لما وراء هذا الوجود، وباستشهادهم تخطوه وعبروا نحو المجد الدائم والخلود.

ترك لنا الشهداء أيضًا أمانة. أمانة بالمثابرة الدائمة للحفاظ على وطن الأرز. أمانة بأن التقدير الملائم لتضحياتهم يكون بعدم التخلي عن وطننا لو مهما كثرت المخاطر. أمانة بالمحافظة على الوجه الحقيقي للبنان، لبنان التعايش بحرية وكرامة والاحترام وملتقى الثقافات.

ليست المشاكل الاقتصادية والسياسية القائمة هي أصعب ما يواجهه لبنان اليوم، بل نسياننا لهذه التضحيات وما خلفته لنا. فنسياننا لهذه البطولات هو إنكارنا لنفسنا وشعب ينكر نفسه لا يمكنه الاستمرار وبناء مستقبل.

هكذا تكون العبرة من مقاومتهم بمعرفة ثمن الحرية الحقيقي؛ فالشعب الذي يستسلم عند اشتداد المخاطر لا يستحق الحرية. الشعب الذي لا يصمد في وجه العواصف لا يستحق وطننا كهذا الوطن الجبار. والعبرة الأهم هي التحلي بالإيمان والاتحاد في الصمود والمواجهة، لأن الظروف التي قاوم فيها من سبقنا لم تكن أفضل من اليوم رغم اختلاف شكل المواجهة. مقاومة أبطالنا علمتنا أن إذا أردنا وطناً قوياً وحقيقياً، ينبغي علينا المحافظة على وجودنا فيه وعدم تسليمه إلى أهل الظلم والظلام، وبتركنا له نقدّم إذاً لأصحاب الفساد والبطش والغدر انتصارهم. 

وفي زمن تكثر فيه لوائح الشرف الخنفشارية يبقى شهداؤنا، شهداء المقاومة اللبنانية، أشرف الشرفاء في تضحياتهم، وما تركوه لنا من حمل عظيم سيمكّننا من الانتصار في آخر المسار مهما كبرت الصعاب.

 

 

 

مساحة حرة SEP 02, 2020
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد