يسقط اللبناني اليوم ضحية، ضحية العمالة والاستهتار، وبات مطلبه الوحيد الحصول على نثرة من مفقوديه بين فوضى الدمار. أصبح قتلنا في وطننا حلالًا يختبئ خلف كلمة استشهاد. فإنجازاتهم أحرقت بيروت ونثرت شبابها أشلاء. ضحايا اليوم وشهداء الأمس، والله أعلم قصاص الغد لإصرارنا على العيش بحرية لتأمين مستقبل بات مجهولًا ومشؤومًا في لبنان. كلنا نطمح إلى العيش بكرامة وحرية. وعلى الرغم من أن الموت ليس مهنتنا، إلّا أنّ كل بيت كُلّل بشهيد أو أكثر وكانت قضيته ألا يخضع في وطنه للذل لأننا شعب متجذر بأرض سقطت فيه جرعات من الحرية والنضال؛ وتاريخنا يشهد.
كنا الصدى والجرأة حيث لم ولن يجرؤ الآخرون لأننا أصحاب الأرض والحق والقضية. لذا اندفعنا في الصفوف الأمامية مقدمّين شهيدًا تلو الآخر دفاعًا عن سيادة وطن سُلّم اليوم مقايضة لمصالح شخصيّة؛ في حين أن المقاومة اللبنانية قدّمت ولم تطمع إلّا بعيش حر كريم. قائدها لم يساوم ولم يقايض، وفضّل قيود الجسد على أن تبقى روحه حرة طليقة بينما أجساد الآخرين تسرح وتمرح في لباس الذل والعار وسط نعوش رفاقنا الشهداء وأبناء قضيتنا المتجرّدين من أي مصلحة شخصيّة. فهل ثمة من يذهب إلى الحرب وهو يضمن عودته حياً منها؟ طبعاً لا، هذا الفرد يكون متجرداً من أي مصلحة مقررًا القتال دفاعًا عن وطنه حتى لو كلفه هذا الأمر حياته.
نعود إليكم رفاقنا الشهداء، في كل مرة ندافع فيها عن قضية وطن جسّدتم فيها الحرية والنضال، لأننا إن صمتنا نخون الوجود بالنسيان. هذا النسيان شيطان من شياطين هذا الزمان وكل زمان. من ينساكم، يقول شارل مالك، يستحق هو ذاته النسيان. فإننا إن أصغينا إلى الشهيد علمنا أن لغته هي الحرية.
لماذا نعود إليكم؟ لأنكم بذلتم أنفسكم لقيامة وطن من أجل قيمة الإنسان البشرية المقدسة وحقوقه وحريته وسط العيش المشترك. زرعتم في كل بيت استشهاد لتحصدوا الحرية، لأن لا عيش من دون حرية. ناضلتم من أجل حماية كيان الإنسان وحقوقه وسلامة الجماعة. اندفعتم لبناء دولة ووطن، آمنتم به والعيش المشترك. فقدنا من كل بيت شهيد، لكننا حصدنا حتى في الصمت صوت صارخ ينده حرية.
شهداء المقاومة درع بقائنا وصمودنا في هذا الزمن وهذا الوطن حيث للأسف باتت العمالة استشهاداً، والبذل والتضحية تقدمة للمصالح الخارجية وقيادة الوطن لقباً يُتاجر به مقابل الرضوخ والخضوع لقرارات تخنق اللبنانيين وتقيد شبابهم، إما بالهجرة أو الخضوع للاحتلال. سنبقى أوفياء لهم، والوفاء أقل ما يمكن أن نقدمه لهم. من قصة كل بطل منهم نستمد قوتنا واندفاعنا ووفاءنا للقضية التي لا تموت، بل تحيا في كل إنسان حر يأمل رؤية قيامة لبنان من جديد.