بداية ما هي الدولة؟ الدولة كيان قانوني وسياسي ذاتي الحكم يفرض سلطته على المساحة المعطاة له. ثمة أنواع عديدة من الأنظمة، لكنّ الفكرة الأساسية المتّفق عليها لدى الجميع هي فكرة واحدة: احترام القانون ومؤسسات الدولة.
في النصوص هذه هي الدولة، أما على أرض الواقع فهي غير أمر تمامًا. لنذهب إلى وطن الأرز؛ هو نفسه الدولة الفاشلة التي نعيش فيها اليوم. لماذا بلغنا هذه المرحلة؟ وكيف لنا أن نعود إلى ما كنّا عليه سابقًا؟ أصبح الجواب واضحًا وشبه مؤكد. إذ من أوصل لبنان إلى ما هو عليه اليوم هو منظومة السلاح والسرقات والفساد والصفقات المشبوهة والقمع، وهي نفسها المنظومة التي ترفع السلاح في وجه المواطنين العزل.
أما السؤال المجهول الجواب اليوم، فهو كيف لنا أن ننقذ أنفسنا؟ كيف لطائر الفينيق أن ينهض بأجنحته المتكسّرة؟ كيف لبيروت أن تقوم ومن دمّرها لا يزال متمسّكًا بزمام الأمور؟ المنتقدون كُثر لكن القليل مَن يطرح الحلول ويناقشها. لبنان الموت الذي نعيشه اليوم هو لبنان الدويلة التي يسيّطر عليها حزب الله، في حين أن الدولة الفعلية غائبة ولا تقوم بدورها في ظل حكم الدويلة هذا.
الدويلة في لبنان تتجسّد في تحالف أحزاب سياسية تختلف عقائدياً وتتفق على مصالح. وفي الحقيقة أن لا العقيدة ولا النظرة إلى لبنان تجمع التيار الوطني الحر بحزب الله. لكن ثمّة من بقيَ على عقيدته (حزب الله) ومن تخلى عنها مقابل مصلحة ما (باقي التيارات في تحالف 8 آذار). وتعتقد تلك الأحزاب أن بالمال تحقّق كلّ مبتغاها. فباعت عقيدتها ووعودها بحفنة من الذهب فكان الغطاء الشرعي على السلاح الذي حمى الفساد الذي بدوره حمى السلاح، حتى أصبحا كيانًا واحدًا كسرطان لا يُعالج بالمسكّن بل بالاستئصال.
ومن ناحية أخرى، يأتي حزب القوّات اللبنانية لينظر إلى هذا المشهد، نظرة الأمّ التي ترى أولادها مشرّدين، لأنه أمّ المجتمع التي ضحّت من دون حساب وتحمّلت عبر التاريخ الويلات وقدمت الشهداء، لكن دوره لم ينته. لذا طالب بانتخابات نيابية مبكرة لتغيير الأكثرية النيابية بعد أن انتفض الشعب في 17 تشرين 2019 ضد السلطة الحاكمة وعاش الويلات في انفجار4 آب 2020.
كما كان لحزب "القوات" دورًا في إعادة إعمار بيروت بعد فاجعة الانفجار. فتستمر هيئة إغاثة بيروت في ترميم المئات من المنازل المتضرّرة وساندت وما زالت تساند العائلات حتى يومنا هذا. وهكذا أثبت طلاب "القوات" عن إرادتهم وعزمهم واستعدادهم للوقوف إلى جانب ضحايا الانفجار.
وفي هذا السياق لا بدّ من الإشارة إلى مستوصفات الأرز الطبية التي وقفت في وجه مافيا السوق السوداء وأمّنت الأدوية للمرضى من دون أن تسأل عن انتمائهم السياسي أو الديني. كما لم يتأخر القواتيون في الاغتراب يومًا عن تلبية نداء لبنان. فهبّ حزب "القوات" في فرنسا والولايات المتحدة وأستراليا ومن دول أخرى وأرسل الأدوية المقطوعة حتى لا يبقى داء دون دواء.
رأى المواطن ملامح الدولة الحقيقية التي لم يرَها منذ سنوات، دولة القانون والمواطنة واحترام مؤسسات الدولة التي لا تقتل شعبها بانفجارات ولا تفقره ولا تسرق ودائعه، بل الدولة التي تحمي أبناءها ولا تجرّهم إلى حروب عبثية لتنفيذ أجندات خارجية. دولة السيادة أولاً. بين الدولة التي ينظر إليها حزب "القوات" ودويلة حزب الله، انتخابات وعلى أساسها يأتي الجواب.