تعوّدنا دائمًا على المواقف الصّارمة وغير المسبوقة لحزب القوّات اللّبنانيّة، ولكنّ اليوم تغيّرت المعادلات كافّةً، وغدت صحّة الإنسان على المحكّ. فبعدما اعتُصر الأمل من حكومة الإنقاذ لإتّخاذ التّدابير اللّازمة، ومثابرتها على وضع العقد على المنشار في ما يتعلّق بالحدّ من تفشّي الوباء المنتشر، وتخلّفها عن إعلان حال الطّوارئ، اتّخذ الحزب موقفًا متقدّمًا غير مسبوق، وعنوانه العريض: كافحوا الكورونا، أو سنقاضيكم.
حدّد "القوّات" من خلال شخص رئيسه سمير جعجع ثلاثة عناوين أساسيّة أتت انطلاقًا من أنّ الإنسان أوّل الأولويّات، حيث أنّ لا شيء يعلو فوق صحّته وحياته وكرامته. أمّا هذه العناوين فهي:
١- الإقفال التّام للحدود البرّيّة والبحريّة والجوّيّة؛
٢- والإقفال التّام في الدّاخل؛
٣- والذّهاب إلى مقاضاة الحكومة في حال عدم اتّخاذ الإجراءات اللّازمة لمحاربة تفشّي فيروس الكورونا.
أوّلًا، نتمنّى لو أنّ الّدولة اللّبنانيّة هي دولة نموذجيّة في مكافحة الكورونا، كما عزم رئيس الحكومة حسّان دياب. إلّا أنّ العين لا تعلو عن الحاجب، بحيث لا يستطيع أحدٌ أن ينكر أنّ الأعداد التي سُجّلت في لبنان، تقع في النّصف الأوّل من لائحة البلدان التي تعاني الكورونا. ولنتذكّر أنّ أوّل حالة إصابة بالكورونا في لبنان كانت للسّيّدة القادمة على متن الطّائرة الإيرانيّة، حيث تمّ نقلها إلى المستشفى، في حين غضّت الحكومة النّظر عن وجوب حجر الرّكاب الآخرين الذين كانوا على متن الرّحلة نفسها. فكيف نكون قد اتّخذنا الإجراءات الكافية؟
ثانيًا، كيف تحمي الدّولة نفسها ومواطنيها من المرض إن كانت حدودها مشرّعة أمام البلدان الموبوءة؟ وهل يُعقل أن يعتبر وزير الصّحّة أنّ الحدود يجب أن تبقى مفتوحة أمام الطّائرات القادمة من إيران لدواعٍ سياسيّة؟
ثالثًا، كيف نقبل أن يُسكتنا وزير الصّحّة بتطميناتٍ عارية عن الصّحّة، ثمّ يُدلي بتصريحه الشّهير أنّ المرض تخطّى القدرة على احتوائه؟
كلّ ما سبق وذكرناه لا يدلّ سوى على استهتار الدّولة بصحّة المواطن، لذلك:
- إن لم تكونوا على المستوى المطلوب منكم من الأمانة،
- وإن لم تُغلقوا المعابر البرّيّة والجوّيّة والبحريّة كافّةً،
- وإن لم تفرضوا الإغلاق التّام في كافّة مؤسّسات الدّولة،
#سنقاضيكم!
أمّا بعد، فمن المؤسف فعلًا هو التّهجم على سمير جعجع انطلاقًا من أجندات سياسيّة بحتة، فيما كان الأولى بهذا البعض التّصفيق لموقفه الذي يضع حماية الإنسان أوّلًا. وهنا، نشدّد على أنّ هذا الموقف ليس موجّهًا إلى فئة معيّنة من النّاس ولا مصوّبًا على أخرى، بل الهدف منه حماية لبنان واللّبنانيّين.
نحن نسأل الذين صوّبوا على قرار الحكيم: أليس دور الأحزاب السّياسيّة الأهمّ هو حماية الإنسان وصون كرامته والمحاربة من أجل معيشته؟ إن كنتم نسيتم من هو حزب القوّات اللّبنانيّة، فجُلّ ما يُسرّنا هو أن ننعش ذاكرتكم. "القوّات اللّبنانيّة" لطالما كان المدافع الأوّل والأكثر شراسةً في كلّ ما يتعلّق بمصالح الوطن والمواطنين. فعندما كان لبنان بخطر، حمل محرابه وكان أوّل من قام بحماية الدّار. وعندما انتُهكت السّيادة اللّبنانيّة، كان "القوّات اللّبنانيّة" رأس الحربة. وعندما كانت المسألة بالشّراكة، كان "القوّات اللّبنانيّة" أوّل من دافع وتشبّث بالميثاق. حتّى عندما وصل الأمر للفساد لحلفاء "من أهل البيت"، كان "القوّات اللّبنانيّة" أوّل من قدّم رؤيا لبناء الدّولة القويّة والخالية من الفساد.
اليوم وقد وصل "الموس" على الرّقاب فيما يتعلّق بصحّة الإنسان وحمايتها من فيروس العصر، كيف "للقوّات" ألّا يكمل مسيرة نضاله لحماية المواطن وصحّته وكرامته التي باتت لا قيمة لها، في دولةٍ تحسب أنّ الإنسان رقمًا؟ لا يعتقدنّ أحدٌ أنّ الحملة الممنهجة التي تبنّاها البعض، تصبّ في مصلحة الوطن والمواطن. إنّ اتّباع نهج السّخرية والتّصويب هذا، ليس ولن يكون سوى "قرقعة عظام في الدّست"؛ سياسة تضليليّة يتّبعها أزلام السّلطة الخائفين على مصالحهم والذين يحاولون تأخير فاتورة يوم الحساب الباهظة. ولأنّ حبل الكذب قصير، لعلّهم سيدفعون الفاتورة هذه عندما تتكشّح أوشحة النّفاق والهرطقة والتّضليل، عن الحقيقة المستترة تحت أقنعتهم، فتبان الحقيقة أمام المواطنين ناصعة البياض، حيث لا صوت يعلو فوق صوت الحقّ.
اسخروا ما شئتم وانتقدوا ما يحلو لكم، لا عيب إن بقي "القوّات اللّبنانيّة" "حصرمة بعيونكم"، واعلموا أنّ حناجرنا ستبقى صادحة للحقّ، وصارخة بوجه المستهترين بحيوات النّاس وكرامتهم.