إنّنا اليوم، وبعدَ فاجعةِ 4 آب 2020، نتثبّتُ أكثر بطموحاتنا وأحلامنا وقضيّتنا. يئس اللبناني من المآسي والأزمات التي تقع على رأسه، وكأنّه قدّر له أن يحمل صليبًا ثقيلًا وأن يسيرَ به على درب الجلجلة. لكنّنا لطالما لبّينا هذه الدعوة في سبيل التضحية من أجل لبنان والقضيّة. نؤمن بما قال البطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفير: "إنّ الصليب لا يبقى صليبًا إلى النهاية، إنّه يتحوّل قيامة. صليب لبنان ستكون قيامته". إذ درب الجلجلة صعب جدًّا، لكن فقط مَن يؤمن سيعبر إلى القيامة. وينبغي علينا كلبنانيّين التحمّل والبقاء مؤمنين بغد ولبنان أفضل، ومؤمنين بهذه الأرض المقدسة التي ارتوى ترابها بدماء الشهداء. كيف يمكننا أن نؤمن بكل هذا وفي الوقت ذاته، نفكر في الهجرة؟ إنّنا نرى لبناننا اليوم جريحًا، وعاصمته مدمّرة بسبب إداراته الفاسدة وبيئته الملوّثة وسيادته المنتهكة وقراراته المسروقة. لماذا إذًا الإصرار على البقاء؟
بقاؤنا يعني بقاء الدولة، والدولة هي ثلاثية: أرض وشعب وسلطة. في الواقع، كل دولة تريد قطعة من هذه الدولة، من جنوبها إلى شمالها. أمّا السلطة، فقراراتها تأتي من الخارج وكأنّها غير موجودة. ويبقى العنصر الأساسي للدولة وهو نحن، الشعب اللبنانيّ. إمّا أن نعتبر أنّنا مجرد زوّار موقتين على هذه الأرض، إما أن نؤمن بالـ10452 كلم2 المقدّسة.
يقول البعض إنّ لا أمل بحكامنا للإصلاح ولا داعي للبقاء. لكنّك أنت كمواطن الأمل بمستقبل أفضل، وأنت مصدر التغيير. ومن واجبنا كلبنانيّين أن نغّير أنفسنا ونهج تفكيرنا، وأن نطبق الدستور والقوانين، وأن نحترم بعضنا البعض. فيا أيّها اللبنانيّ، غيّر نفسكَ لتغيّر وطنك.
أريد فقط القول إن هذه الظروف الحاليّة ليست سوى مرحلة في تاريخ وطننا، وينبغي علينا أن نتعلّم منها وأن ننضج معها، وإلّا سيتحمّل أولادنا وأحفادنا أخطائنا. إذ أجدادنا قد تحمّلوا الكثير من مجازر وغزوات وأزمات، من وادي قنوبين ومجاعة ١٩١٤، وصولًا إلى الحرب اللبنانية عام ١٩٧٥.
إنّ أجمل ما يمكننا قوله لمَن يفكّر في الهجرة هي جملة كتبها سمير جعجع في مذكّرة أرسلها إلى مجلس القضاء الأعلى أيّام اعتقاله:
"لا تتركوا الله يخرج نهائيًّا من لبنان. لا تتركوا لبنان يسقط كليًّا من مسار التاريخ ليصبح فيما بعد ذكرى ليس إلّا في كتب التاريخ".
وهكذا قضيّتنا اليوم تدعونا إلى الصمود وألا نترك لبنان، كي لا يُترك منسيًّا في كتب التاريخ.