وتبقى ثورة 17 تشرين من أبرز محطات عام 2019، لا بل محط كلام وأنظار الشاشات المحلية والعالمية والمواطنين الثوار الذين اضطروا إلى ترك الشوارع والساحات بسبب وباء كورونا. فساد معشش في كل زاوية، التهم كالنيران السياسة والاقتصاد والمجتمع كله، وتغلغل في بعض الرؤوس التي غدت كالميت.
الثورة لم تتوقف، والجدير بالذكر بعض النقاط البالغة الأهمية، وهي على التوالي:
النقطة الأولى تتجلى في أهميّة تجدد الثورة؛ طبعًا لم تنقطع ولم تتوقف إلّا بسبب الأزمة الصحية الراهنة. فإنّها انتفاضة متكاملة من 17 تشرين حتى 6 حزيران 2020، وما بعد هذه المحطة. قامت وارتكزت هذه الثورة على عنصر أساسي: العنصر المعيشي المطلبي الذي شكّل دافعًا أساسيًّا لتوحيد ساحات لبنان من أجل تحقيق الأهداف المنشودة.
وبالتالي كنقطة أولى الثورة مستمرّة، لم ولن تتوقف ويخطئ كلّ من يراهن على إيقافها أو توقيفها. وكلّ من يريد ذلك يستطيع النجاح، لكن طبعًا ينبغي عليه بكلّ بساطة أن يحسّن الوضع المالي والاقتصادي والمعيشي. في الأساس اندلعت هذه الثورة بسبب انهيار الوضع المالي؛ وفي حال بقي الخطر على ما هو عليه اليوم، فمن البديهي والطبيعي أن تبقى الثورة على ما هي عليه. لكن هذا الوضع لن يتصحّح في ظلّ أكثرية حاكمة أوصلت البلد إلى الانهيار والفشل. هذا الطرف السياسي الذي قاد لبنان إلى الانهيار، لا يمكن أن يقوده إلى الازدهار.
النقطة الثانية تتعلق بطبيعة الأولويات في المرحلة الحالية. وللتذكير، وضع حزب القوات اللبنانية في كلّ المراحل والأوقات نصب أعينه، وكان رأس حربة في موضوع السلاح غير الشرعي ومواجهته في زمن الاحتلال السوري كما بعد خروج هذا الاحتلال. اليوم وفي هذه المرحلة، ينبغي علينا أن نتطرّق إلى مطالب الشعب الذي يدق ناقوس الخطر بحراكه المطلبي، بسبب وصول وضعه المعيشي إلى الانهيار، خوفًا على مصيره وحاضره ومستقبله.
لا يجب أخذ الأمور في أيّ اتجاه يتناقض أو يتعارض مع مطلب الناس وأهدافهم الفعلية والحقيقية. وهنا نرى ضرورة تركيز الأهداف بما ينسجم مع تطلعات الناس، لا سيّما وأنّهم اقتنعوا بما كنّا نطالب به، وليس من باب الكلام عن السيادة إنما من الباب المعيشي والإصلاحي.
بمعنى آخر، لا يمكن أن تستقيم الأمور معيشيًا ومطلبيًا وماليًا واقتصاديًا إلّا بقيام الدولة ومن دون قيامها سيبقى الوضع من سيئ إلى أسوأ. وإن تحققت السيادة من الباب الإصلاحي أو من الباب السيادي، فالمهم هو الوصول إلى قيام الدولة في نهاية المطاف.
النقطة الثالثة والأهمّ تكمن في أيّ تحرك يأتي تجسيدًا لما يريده الناس. ومنذ اللحظة الأولى لانطلاق الثورة، وضعت الأكثرية الحاكمة نصب أعينها فرطها وتقسيمها من خلال تسيّسها وضربها، بحيث إنّها تدرك تمامًا أنّ لا يمكن تفكيك التظاهرات إلّا من خلال تسيّسها؛ الأمر الذي يجب تجنبه خصوصًا وأن أكثر طرف منزعج ومربك من هذه التظاهرات هو السلطة. لذلك لا يجب تقديم خدمة مجانية كهذه لهذه السلطة.
لن تنتهي الثورة قبل بزوغ فجر الاستقلال الثالث. استقلال الشرعية التامة والسيادة المفروشة من أقصى الشمال إلى أدنى الجنوب، على امتداد مساحة 10452 كلم2 ومجبولة بتراب ارتوى من دماء الشهداء الأحرار الذين حلموا ببناء لبنان المجد.
لبنان لنا جميعًا، اللبنانيون الأحرار والمتمسّكون بهويتنا وكياننا إلى دهر الدهور.