يقظة الأسد
مساحة حرة JAN 15, 2021

يقظة الأسد من حلم لم يتحقّق، من حلم لطالما سعى إلى تحويله إلى واقع، لكنّ نخوة اللبنانيين حالت دون تحقيق مبتغاه. ففي كلّ مناسبة كان يصطدم بواقع أُطلقت عليه أسماء عديدة من بلّا وقنات فالأشرفية البداية وزحلة الصمود وصولًا إلى انتفاضة ١٥ كانون؛ انتفاضة كان بطلها رجلًا وقفًا في زمن الانبطاح، رجل اسمه سمير جعجع.

 

تعرّض لبنان عبر تاريخه لكافة أشكال الاحتلالات، ولعلّ تجربة الاتفاق الثلاثي كانت الأذكى. فهو "احتلال شرعي" استطاع من خلاله حافظ الأسد بواسطة عبد الحليم خدام، استقدام ثلاثة من أبرز القوى اللبنانية المتصارعة آنذاك للتوقيع عليه في دمشق.

 

وبعد مساع سورية عديدة، وقّع كل من إيلي حبيقة ممثّلًا "القوات اللبنانية" آنذاك، ونبيه برّي ممثّلًا حركة أمل ووليد جنبلاط ممثّلًا الحزب التقدمي الاشتراكي، على اتفاق مؤلف من بضعة بنود مبطّنة تصبّ جميعها من دون استثناء في المصلحة السورية، ومن أبرزها على سبيل المثال لا الحصر، السماح لسوريا بنشر قوّاتها في لبنان بحسب ما يتطلّبه صراعها الإقليمي مع إسرائيل، ووقف الحملات الدعائيّة على سوريا، ووقف توصيفها بالعدوّ عبر وسائل الإعلام، وإلغاء الطائفية السياسية، متجاهلين تركيبة لبنان التعددية، وبناء علاقات مميّزة مع سوريا والسعي إلى التنسيق على كافة المستويات السياسية والعسكرية والاقتصادية، وغيرها من الشروط المذلة.

 

في الواحد والعشرين من تشرين الثاني، أعلنت الجبهة اللبنانيّة رفضها للاتفاق في اجتماع عقدته في دير عوكر، وأتى الرد سريعًا بشاحنة مفخّخة انفجرت بالقرب من مكان اجتماعها. أمّا في أوساط المنطقة الشرقية والبيئة القوّاتية، فقد لاقى هذا الاتفاق رفضًا وامتعاضًا كبيرين لكنّ الجوّ السائد آنذاك كان أن ما كُتب قد كُتب. وبقي وحده سمير جعجع مُصرًّا على أنّ هذا الاتفاق لن يمُرّ. بقي وحده غير آبه بموازين القوى، رافضًا لسياسات الأمر الواقع التي اعتادت سوريا فرضها على لبنان.

 

في صباح ١٥ كانون الثّاني عام ١٩٨٦، راح سمير جعجع يحضّر قوّة عسكرية لتشكّل العمود الفقري لخطة وضعها بإحكام وبدأ الزحف انطلاقًا من برج الفيدار باتجاه بيروت وراح يسقط الحواجز والثكنات التابعة لحبيقة واحدة تلو الأخرى، من العقيبة إلى طبرجا فأدونيس وصولًا إلى الأشرفية. وما هي إِلّا ساعات حتّى وجد حبيقة نفسه محاصرًا في مكتبه في المجلس الحربيّ بعد ما جعله طمع السلطة يظنّ أنّ حجمه بات أكبر من الوطن نفسه.

 

بعد ساعات وبطلب خاصّ من الأباتي نعمان، سمح لحبيقة بالفرار إلى وزارة الدفاع بمدرّعة أُرسلت له عن طريق النقيب بول مطر حيث استقبله العماد عون، ومن ثمّ توجّه إلى قبرص ومن بعدها إلى باريس وأقام موقتًا بين زحلة وباريس قبل انتقاله إلى سوريا حيث مكث في بيت فخم في المزة أمّنه له حافظ الأسد.

 

وهكذا سقط الاتفاق الثلاثي وسقط معه حلم الأسد الذي لن يتحقق طالما في لبنان من اتخذ قرار الحرية فوق كلّ ثمن. سقط ذاك الاتفاق مُعيدًا "القوات اللبنانية" إلى مسارها، ومؤكدًا ما قيل عنها إنها ثورة على الأمر الواقع، ثورة على الظلم والاحتلال، وقبل كل شيء، ثورة على الذات.

 

"هناك واقعتان لم ينسهما لي حافظ الأسد ولا الذين أتوا من بعده، حادثة الاتفاق الثلاثي وما تبعه واحدة منهم ... جاء حافظ الأسد بشخصيته الكبرى ليقول لدول العالم أنا وجدت الحلّ في لبنان، بعدما أعدّ كلّ شيء ووصلته تقارير المخابرات ومشى إيلي حبيقة بالاتفاق، حتى يأتي شابٌ ويسقط الاتفاق بعد أسبوع... " ~ سمير جعجع

مساحة حرة JAN 15, 2021
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد