أكثر من أربعة أشهر مرّت على انفجار مرفأ بيروت، ولا زال اللبنانيّون لا يعرفون من هم المسؤولين عن هذه الحادثة، بطريقة أو بأخرى. فالتحقيق المحلّي أوصلنا إلى الظرف الذي كان متوقّعًا، أي الضياع من جهة والتحصّن من جهة أخرى، أي تحصّن السياسيّين بمرجعيّاتهم الطائفية، واستخدام التحقيق على أنّه استهداف للطائفة ككل، ويُعلّق التحقيق وتضيع الحقيقة. فتنطبق هنا آية: "فالذي يرى إنّما هو إلى حين، أمّا ما لا يُرى فهو للأبد". وبسبب التحقيق المحلي، ما نراه وسنراه حينًا هو الهيجان الطائفي، أمّا ما سيُخفى للأبد فهو الحقيقة. والشعب لا يريد إلّا الحقيقة والمحاسبة، مهما علت المناصب واختلفت الطوائف. وفي حال كان رئيس الجمهورية على علم بوجود تلك المواد القاتلة في العنبر رقم ١٢، ينبغي عليه أن يحاسَب كسائر المسؤولين عن الحادثة. فلا غطاءٌ على أحد ولا على أي منصب. أمّا في المسألة الاقتصاديّة، فكثر الحديث عن إرشاد الدعم من خلال أموال الاحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان. إذًا ما هي الحلول الأنسب لإيجاد مخرج من كل هذه الأزمات؟ وما هو الحل الذي تقدّم به حزب القوات اللبنانية لهذه القضية؟
الحل الأنسب في موضوع التحقيق هو حل "القوات" تمامًا، أي تكليف لجنة تحقيق دوليّة لتقصّي الحقائق. من ٨ آب ٢٠٢٠، أي تاريخ حضور رئيس الحزب سمير جعجع إلى ساحة ساسين في الأشرفية، حتى آخر مؤتمر صحفي له في ١٩ كانون الأوّل ٢٠٢٠، لا زال موقف "القوات" هو نفسه أي لا حلّ إلّا في تحقيق دولي في ملف انفجار المرفأ. والتحقيق الدولي لا علاقة له بالمحكمة الدولية الخاصّة بلبنان؛ إذ تبحث الأولى عن الحقائق والأدلّة لمعرفة المجرمين فقط، أمّا الثانية فتصدر الأحكام وتنفّذها، كقضيّة اغتيال الرئيس رفيق الحريري والنائب باسل فليحان.
والمضحك في الموضوع أنّ النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر تقدّما بنقل الدعوى من المحقق العدلي فادي صوّان بسبب "الارتياب المشروع" حول حياديّة المحقق العدلي. لكن عندما كان السوريّون في لبنان يتحكمون بالقضاء للحكم على سياديّين لبنانيّين كسمير جعجع وغيره، فلم يرتابوا البتّة. على كل حال، وإذا بقي التحقيق محلّي، فسنقفز من محقّق إلى محقّق ومن تعليق قضيّة إلى آخر.
أمّا في موضوع الدعم، فلا مسّ بالاحتياطي الإلزامي لأنّه من أموال الشعب، والحلّ هو عبر بطاقات تمويليّة تُعطى للعائلات الأكثر فقرًا، على أمل ألّا تُعطى للعائلات الأكثر قرابة للسياسيّين. وكما كثر الحديث عن المسّ بأموال الشعب، كثر أيضًا الحديث عن المسّ بكهرباء زحلة وعدم التمديد لعقد شركة كهرباء زحلة لإدراجها في خانة المناطق المعتَّمة التي تستلمها شركة كهرباء لبنان. ولا تعنينا أي شركة أو مؤسّسة من أي نوع كانت، بل المهم هو الخدمات التي تقدّمها من أجل الشعب ولا أكثر. وكما قال جعجع: "ما رح نترك زحلة تعتِّم". وهكذا وفى تكتل الجمهوريّة القويّة، وتمّ التمديد لشركة كهرباء زحلة لمدة سنتين.
إنّ الشعب اللبناني، بقدر ما تحمّله من فساد مسؤوليه وأخطائهم وسوء إدارتهم، أصبح لديه "ارتياب مشروع" من أهل السلطة، ويريد تغييرها برمّتها. إذ كل مسؤول حاول ولم ينجح، ينبغي عليه أن يتنحّى، إن كان رئيس الجمهوريّة أو غيره، إضافة إلى ذلك، لا بدّ من إجراء انتخابات نيابية مبكرة لترجمة مشاعر الشعب إلى واقع.