بسبب الوضع الصّحّي العصيب الذي نمرّ به وتعذّر توزيع مجلّة آفاق الشّباب، إليكم تقرير "هل أمن اللّبنانيّين الغذائي بخطر؟"، من العدد ٨٩ من مجلّة آفاق الشّباب.
مع الشحّ الكبير بالعملات الأجنبيّة، يقع التاجر اللبناني في مشكلة إيجاد "دولارات" بُغية إجراء عملية الاستيراد التي أصبحت باهظة، وذلك عطفًا على أنّها بحاجة إلى وقت وطاقة أكثر من قبل. من ناحيةٍ أخرى، يقع الخطر الأكبر على المستهلك اللبناني ولقمة عيشه، لأنّ توفير منتجاته يتّكل بشكلٍ كبير على الاستيراد. فبحسب منظمة الأغذية والزراعة، ٨٥٪ من السّلة الغذائية اللبنانيّة مستوردة. فهل هذا الوضع مستدام؟
كيف نتأكّد من توفير الأمن الغذائي؟
حدّدت منظمة الأغذية والزراعة أربعة مفاهيم يجب تحقيقها، وذلك للتأكد من توفير الأمن الغذائي للمواطن:
- توفّر المنتجات: تأمين كمية كافية في الأسواق لاحتياجات السوق والاستهلاك المحلي.
- إمكانية الحصول على المنتجات: أيّ القدرة الشرائيّة للحصول على المنتجات وتوفّرها.
- منفعة المنتجات: أيّ قدرتها على تأمين الحاجة الغذائيّة.
- الإستدامة: أيّ القدرة على تأمين كلّ المفاهيم المذكورة أعلاه من دون انقطاع.
أين لبنان من كلّ هذه المقوّمات؟
يقع لبنان في بؤرة الخطر، إذ يعاني اليوم أزمةً في استدامة توافر المنتجات والحصول عليها واستدامة المنفعة. وبحيث أنّ الاستيراد متعثّرٌ بفعل التّعويل على الدولار، وأخطارًا ماليّة أخرى تلوح في الأفق، توقّف بعض التجّار عن الاستيراد، أو في حالاتٍ معيّنة، انصرفوا إلى استيراد كميّاتٍ أقلّ من قبل. إذًا يكمن الخطر في الأشهر القليلة المقبلة في إمكانيّة توفّر جميع المواد الأساسيّة.
من جهةٍ أخرى، شهدت السلع في الأسواق مضاعفات بأسعارها، وذلك من جرّاء ازدياد سعر صرف الدولار ٦٢% تقريبًا وأكثر، وما زال يصبو نحو الارتفاع. وفي ظلّ الاتكال الأكبر على المنتجات الأجنبيّة في السّلة الغذائيّة، وقع المواطن اللبناني ضحيّة عدم قدرته على تحمّل هذا الغلاء، واضطراره إلى عدم استهلاك الحاجات الأساسيّة بفعل تراجع قدرته الماليّة. عطفًا على ذلك، يتخوّف بعض الخبراء من عدم قدرة اللبنانيّين في المناطق النّائية، من الحصول على كلّ حاجاتهم.
ماذا إن نفدت المؤن؟
يُتوقّع أن يبدأ اللبناني باستبدال بعض المنتجات بأخرى، وأن يتعذّر عليه الحصول على الكميّة الغذائية الضرورية، مثل إلغاء استهلاك اللحوم واستبدالها بمنتجات لا تعطي حجم البروتين المطلوب، وذلك بسبب الغلاء المعيشي وازدياد أعداد العائلات التي ترزح تحت خطّ الفقر. لذلك، تقع استدامة الحصول على التّغذية الضرورية للبنانيّين في خطرٍ كبير.
أين الحكومة اللبنانيّة من كلّ هذا؟
تحاول الحكومة اللبنانية اليوم القيام بعدد من الخطوات للحؤول دون الغوص في الأسوأ. لكنّ الأدوات التي تستعملها لم تؤد بعد إلى نتائج إيجابيّة؛ فمثلًا، لم تنجح خطّة وزارة الزراعة بتحديد أسعار الخضار للحدّ من ارتفاعها، في حين ما زالت قدرة المواطن الشرائيّة تنهار. وفي المقابل، لا يُعتبر المزارع الفقير حتّى المستفيد من هذا الارتفاع، بل التّاجر.
كما يتعذّر على وزارة الاقتصاد إبطال زيادة الأسعار عبر مديريّة حماية المستهلك، مّما يُعتبر حتّى أمرًا غير مبرّر في بعض الأحيان. فلجأ بعض الأفران إلى تقليل عدد الأرغفة في ربطة الخبز، وغشّ المواطنين عبر بالتّلاعب بالأسعار. من هنا تدرس الحكومة اللبنانية خطّة زراعية وصناعيّة، للاستجابة لهذه المشاكل والمخاطر التي يمكن أن تؤدّي إلى المزيد من الفقر، ومن ثمّ المجاعة.
هل تُجدي خطّة الوزارة نفعًا؟
تحتوي هذه الخطّة على بعض النقاط الإيجابيّة التي ممكن أن تساعد في هذه الأزمة، مثلًا:
- تأمين مخزون إحتياطي لمواجهة توقف استيراد السلع الأساسيّة،
- وزيادة إنتاج القمح لاستعماله في صناعة الخبز، إذ إنّ لبنان يحتاج إلى ٤٥٠ ألف طن تقريبًا، ولا يؤمّن منها الإنتاج اللبناني أكثر من ٤٠ ألف طن،
- وتوفير قروض صغيرة ميسّرة للمزارعين،
- وتوزيع أعلاف وبذور سمك،
- وتوزيع مساعدات بقيمة ٤٠٠ ألف ليرة للمزارع.
لكنّ لا يمكن لخطة الطوارئ في حلّتها هذه، حلّ المشكلة على المدى القصير، وتفادي المسّ بلقمة عيش المواطن. فتعوق هذه الخطة شوائب عدّة يمكن أن تطيح فيها:
- أوّلًا، الكثير من النقاط فيها ضروريّة، إلّا أنّها حلول غير سريعة، أيّ أنّ المواطن لن يتمكن من الاستفادة منها على المدى القريب.
- تعوّل هذه الخطّة ثانيًّا على السرعة، لكنّها حتّى تاريخ كتابة هذا المقال، ما زالت تناقش في الجلسات في حين أنّ المواطن غرق في بؤرة الخطر.
ختامًا، ليعلم المواطنون أسوةً بالمسؤولين أنّ أمنهم الغذائي دخل بؤرة الخطر، وأنّ المستقبل لا يبدو واعدًا. فلتلتفت الحكومة إلى الأحوال المتردّية ولتضع ضمن أجنداتها وجع المواطن الذي بات يصرخ لكسرة الخبز. الحلّ الأمثل لتفادي المجاعة وتبعاتها على المجتمع، هو بتحويل القطاع الزراعي إلى قطاع إنتاج ضروريّات، بسياساتٍ اقتصاديّة وزراعيّة مُحكمة. ومن له أذنان صاغيتان، فليسمع!