هل كان يعلم لبنان أنّ بضع رصاصات أُطلقت في عين الرمانة من 45 سنة سترسم في مخيلة الوطن كوابيس سوداء سترافقه في كلّ ذكرى من 13 نيسان؟ لم يكن أحدٌ يعلم أنّ توابيت خيرة شبابنا ستدخل محملةً على الأكتاف إلى الكنيسة التي كان يفتتحها بيار الجميّل في ذلك النهار. ولعلّ أكثر ما يؤذي الوطن أنّ بعد كلّ هذا الدم والدمار لم يتعلّم أبناء أرضه من أحداث التاريخ، وكأنّ شبح "البوسطة" يرافقنا ولن يهدئ قبل إحياء ذكراه مرة أخرى على أرض الواقع.
لن ندخل في تفاصيل الحرب وأسبابها الداخلية والخارجية، لأنّ الأهم هو أن نتعلّم من جراحها وألّا نكرّر أخطاءها. فأخذ العبر أفضل بكثير من تقسيم بعضنا إلى فريقين بين غالبٍ ومغلوبٍ، لأنّ هذه الأرض كُتب لها أن تنهض وأن يتوّحد أبناؤها الذين ينبغي أن يحاولوا مرة تلوى الأخرى لإيجاد مساحات مشتركة فيما ما بينهم، وأن يدركوا إدراكًا تامًّا أنّ الأهداف الكبيرة من حريّة وسيادة واستقلال ومشروع بناء الدولة، لا تأتي إلّا من خلال وحدة شعبية بين جميع مكونات المجتمع.
الحرب مرفوضةٌ مهما كانت أسبابها، فالحقيقة واحدةٌ ولا أحد يستطيع أن يلغي الآخر، والنتيجة واحدةٌ لا تتغير، وخسائر بشرية ومادية واقتصادية ستفتك بجميع الأطراف المشاركة حتّى من يظن نفسه منتصرًا. صحيحٌ أنّ المعارك انتهت وسكّتت أصوات المدافع لكن هل طوينا صفحة الحرب نهائيًا؟ هل طوينا صفحات الآلام والعذاب المكتوبة بدموع أمّهات لبست الأسود على ربيع أولادهم؟ هل طوينا صفحات الرصاص والبارود والبنادق؟ هل طوينا صفحة الانقسام الشعبي المذهبي والمناطقي؟ هل طوينا صفحة لبنان المزرعة الذي يشجّع بهشاشته على فرض حرب ثانية وثالثة من أطراف لديها طمع بأجزائه؟
ما يطمئن اليوم هو الوعي الذي نشهده عند اللبنانيين وأكثر ما يثبت ذلك "17 تشرين" يوم توحدنا جميعًا في شوارع بلد الأرز، فأصبح للبنان ثوار يدركون أهمية الوطن الجامع بعد محاولات التفرقة الكثيرة من وجوه سلطة. إذ يريد الثوار لبنان جديدًا، لبنان الذي سندفن فيه كلّ انقسام وخلاف، وسنعمل سويًا لبناء جمهورية قويّة لا تعرف الخوف. وسندرّس أجيالنا أنّ في 13 نيسان 1975 فُرضت علينا حرب تعلّمنا منها لنبنيَ في المستقبل حلمًا اسمه "دولة لبنان".