مَن منا لم يقلّد يومًا صوت سيارتهم؟ ومَن منا لم يلجأ إليهم عند أيّ حادث طال أفراد عائلته؟ مَن منا لم يشكرهم ويتمنى لهم أن يبقوا في أمان؟ من منا لا يعرف "جنود البدلات الحمر"؟ مَن كرّس حياتهم لخدمة أخيهم الإنسان، هم عناصر الصليب الأحمر اللبناني.
تأسّس الصليب الأحمر اللبناني في 9 تموز سنة 1945 كجمعية وطنية مستقلة اعتُرف بها ذات منفعة عامة منذ سنة 1946، وقرّر "جنود البدلات الحمر" أن يكونوا إلى جانب الناس في الحرب كما في السلم. جنود لا تهمّهم الطوائف أو الانتماءات السياسيّة أو الانقسامات أو الخلافات أو الأعراق أو الأديان، بل همّهم الأوّل والأخير هو الإنسان وحياته.
هم متطوّعون خدموا لبنان وأهله من دون مقابل، وسقطت دماء عناصرهم دفاعًا عن حماية الناس ومساعدتهم في الحروب والأزمات والكوارث الطبيعيّة. نذروا حياتهم الاجتماعية مبتعدين عن كل ما يقسّم، وساعين وراء ما يجمع على خدمة الخير والوقوف إلى جانب الإنسان، لأنّه إنسان لا أكثر ولا أقل.
لبنان الذي شهد تاريخه الكثير من الأحداث، لطالما كانت عناصر الصليب الأحمر على أتمّ الاستعداد للمساعدة. فعلى مرّ هذه السنوات وعند كلّ منعطف، تستعدّ "جنود البدلات الحمر" لمؤازرة أهلهم والوقوف إلى جانبهم. فهم أبناء هذه الأرض وينتمون إليها بالضمير والوجدان، وحين يرَوْن أحد أفراد أسرته يقع يُسرعون إلى إنقاذه. هكذا كان عمل عائلة الصليب الأحمر في الحرب والاحتجاجات والثورات والمناوشات، وما زال على حاله حتى هذا اليوم، لاسيّما في هذه المرحلة المفصليّة من تاريخ لبنان.
بين أواخر 2019 وبداية سنة 2020، دخل لبنان في مرحلة استثنائية لا تتطلّب سوى الصبر والمساعدة. إذ في 17 تشرين الأوّل 2019، انتفض الشّعب بعد أن أُغلقت أبواب العيش في وجهه ولم يعد أمامه إلّا حل واحد: الساحات والشوارع مع العلم اللبناني. في مسيرة هذه الانتفاضة، ليلات دامية ومواجهات عنيفة بين المتظاهرين والقوى الأمنية من جهة، وبين المتظاهرين وبعض أنصار الأحزاب المعارضة للثورة من جهة أخرى، ممّا أدّى إلى سقوط الكثير من الجرحى والمصابين. فما كان على عناصر الصليب الأحمر إلّا تلبية نداء الإنسانية، فأقلعت السيارات للمساعدة وإسعاف المصابين من دون تردّد وتمييز.
أمّا مع بداية سنة 2020، اجتاح وباء قاتل العالم ولم يفرّق بين بلد وآخر، وبين إنسان وآخر. وأسوة ببلدان أخرى، كان للبنان حصّته من إصابات فيروس كورونا. فشكّل تدخّل الصليب الأحمر أساس الخطة لمكافحة الوباء ونقل الإصابات أو الحالات المشتبه بها بكلّ دقة ومهنية إلى المستشفيات لتلقّي العلاج والانتصار على الوباء.
أخيرًا، لا يمكن حصر مهام هؤلاء الجنود في محطات وأحداث معينة، لأنّ وجودهم ضروري في كل زمان ومكان. ولكي يستمروا في عملهم، لا يكفي تقديرهم ومدحهم - هذا أقلّ الواجب - إنّما يجب مساعدتهم وكلّ شخص بحسب إمكانياته. ولا يتردّد أحد في التطوّع والانخراط في صفوف الصليب الأحمر، إن كان باستطاعته. فلا شيء أعظم من خدمة الإنسان!