"الحمدلله عالسّلامة، كيف كانت سفرتك؟" "عملت إسكال بجونية تا قدرت كفّيت سواقة"!
نعم أصبحت الطريق من جبيل الى بيروت أشبه برحلة سفرٍ، حتّى أنّ مدّة السّفر أقصر من هذه الرحلة. والمشكلة أنّ هذه الزحمة لم تعد تقتصر فقط على خطّ الاتّجاه نحو العاصمة فقط، بل أصبحت تسيطر على الاتجاهين. وبات من المستحيل اجتياز هذه المنطقة دون الشعّور بالهستيريا جرّاء الزّحمة الخانقة، التي تستمر في أغلب الأحيان إلى ساعاتٍ متأخّرة من الّليل، إلّا أنّ القمّة تكون في أوقات التوجّه إلى العمل وانتهاء الدّوام. كلّ مَن هو مجبر على اجتياز هذه المنطقة يوميًا بات يتمنّى ماردًا سحريّاً يحمله من منطقة نهر الكلب ويضعه بعد غزير أو العكس، فاجتياز هذه المسافة يتطلّب وقتًا أطول من اجتياز الطّريق بكاملها، أيّ من نصف ساعة إلى ساعة بحسب توقيت المرور. حالةٌ لا تطاق يتحمّلها اللبنانيون يوميّاً وتتزايد حدّتها مع الوقت. أسبابها عديدة وكذلك حلولها. فما هي هذه الأسباب والحلول؟
لبنان يعاني من زحمة السّير منذ أعوام. ولهذه الأزمة أسباب عديدة، أهمهّا غياب وسائل النّقل العامّ المنظّم والعصري الذّي يشمل جميع الأراضي اللبنانية ويسمح للبنانيين بالوثوق باستخدامه والتّخلّي عن استعمال سياراتهم الخاصّة في تنقّلاتهم. بالإضافة الى ضيق الطّريق وغياب تطويرها وتوسيعها واستحداثها وعدم وجود الصّيانة الدّوريّة اللّازمة لها. هذا الأمر يؤدّي الى استنزاف يومي لمعظم مفارز السّير في محاولة شبه مستحيلة وشاقّة لتسهيل حركة المرور. ومن أكثر الأسباب التي تؤثّر سلبًا على أزمة زحمة السّير هي مخالفات البناء عن جانبيّ الاوتوستراد التّي تمنع أو تصعّب توسيعه. ولا يمكننا التّغاضي عن الكثافة السّكانيّة المتصاعدة، ففي كلّ بيتٍ لبناني، كلّ فرد يملك سيّارة، ويستخدمها بمفرده، فنادرًا ما نرى سيارةً فيها أكثر من راكب على الطّريق. ولا ننسى المهجّرين السوريين الذين أصبحوا يتنقلون بسيّاراتهم الخاصّة، فنرى الأوتوستراد مليئًا بالسيارات التّي تحمل لوحاتٍ غير لبنانية. وعلاوةً على ذلك، إنّ غياب التّنظيم المدني، وغياب التنظيم عن قسمٍ كبيرٍ من وسائل النّقل الذّي يسهم بدوره في الازدحام بحيث تتوقّف الباصات والسيّارات العموميّة عشوائيًا لنقل الرّكّاب، مهدّدة بحوادثٍ مختلفةٍ، أضف الى ذلك الزيادة الصيفية في عدد سائقي السيارات من سائحين ومغتربين، ما يزيد زحمة السّير تلقائيًا على معظم الطّرقات اللّبنانيّة، وخصوصًا الأوتوسترادات الرئيسيّة.
ما من أزمةٍ لا حلّ لها. وقد عرض موقع القوّات اللبنانية - مصلحة الطلاب استطلاعًا للرأي على عدّة الحلول، وكانت النتيجة كالآتي: إنّ حلّ "العمل على شقّ أوتوستراد بحري من بيروت إلى جبيل" نال تصويت بنسبة 70.59%، إحتمال "العمل على توسيع الأوتوستراد الحالي وإزالة مخالفات البناء عن جانبيه" نال 17.71%، ثمّ حلّ "إعادة تنظيم المخارج والمداخل من الأوتوستراد وإليه" نال 8.82%، وأخيرًا "بناء الجسور اللازمة فوق مناطق الضغط" في المرتبة الأخيرة بنسبة تصويت بلغت 5.88%.
وفي حديثٍ مع نائب رئيس بلديّة جونية روجيه عضيمة، أطلعنا على اقتراح البلديّة الذّي يقتضي بناء خطّ سريع بالاتجاهين فوق الاوتوستراد الأساسي حتّى نهر الكلب، ويكون مخصّص للسيارات فقط ويمنع على الشاحنات استخدامه، مع الإشارة الى أنّ الاوتوستراد هو من مسؤوليّة وزارة الأشغال العامّة والنّقل لا البلديّة. وأشار عضيمة الى ضرورة تأمين بديل للنّقل كالقطار، ووضع خطّة للنّقل العامّ بأسرع وقت نظرًا لكثرة السيارات. إلّا أنّه أعرب عن قلقه بسبب المدّة التي تحتاجها هذه الحلول كي تبصر النور، وهذه المدّة لا تقلّ عن خمس سنوات.
زحمة السّير اليومية تستهلك وقت المواطنين اللبنانيين والعمّال، تستهلك صبرهم وقوّتهم فيصلون منهكين الى عملهم قبل بدء دوامهم، بدون وجود أي أمرٍ استثنائي. تعتبر هذه الزحمة خانقة، فكيف هي الحال عند وقوع حادث سير مثلاً؟ أو وجود مهرجاناتٍ صيفية كتلك التي يشهدها لبنان في الأيام الأخيرة؟ مأساةٌ حقيقيّة تضاف إلى مآسي المواطن اللبناني اليوميّة. الحلول عديدة وممكنة، ولكن الأهمّ وجود نيّة جديّة لتنفيذها، وبأسرع وقتٍ ممكن قبل أن تتحوّل هذه الأزمة الى مأساة أخطر ممّا هي عليه الآن. ويبقى القرار النهائي بيد الدّولة التّي نأمل أن تكون صاحبة نيّة حقيقية وترأف بحال المواطن الذي لم يعد يحتمل المزيد، وتتحرّك قبل فوات الأوان.