أي حزب سياسي يعرّف عن نفسه أمام الشّعب من خلال شرعة يقدّم فيها أبرز تطلّعاته السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، كما يطرح أبرز المبادئ التي يؤمن بها. وفي هذا الإطار، مرّ حزب القوّات اللبنانيّة بمراحل مختلفة بدأت بالحرب اللبنانيّة عام 1975 مرورًا بمرحلة النضال السلمي في زمن الوصاية السوريّة عام 1994، وصولًا إلى خروج رئيس الحزب سمير جعجع من المعتقل عام 2005، لتبدأ مرحلة النضال السياسي. ربّما يتساءل البعض كيف استمرّ حزب القوات اللبنانيّة بهذا التنظيم والقوة رغم الصعوبات التي واجهها عبر التاريخ على عكس الأحزاب الأخرى؛ الجواب بسيط، فحزب "القوّات" تماشى مع كل مرحلة نضالية، تتماشى وهيئة تنفيذية تحاكي المراحل كلها. إذ حمل الحزب السلاح في الحرب ودخل السجن وتظاهر وأثبت هويته على الأرض في زمن الوصاية. واليوم يحمل القلم والمنبر ليواجه سياسيًّا، كما وأطلق حزب "القوات" شرعته في 17 شباط 2012، ليواكب العصر ويساهم في نقل لبنان إلى زمن الحداثة والتطور.
تتناول شرعة حزب القوات اللبنانية في مقدّمتها التنظيم الحزبي الديمقراطي الذي يحدّد واجبات الأعضاء وحقوقهم، فضلًا عن تداول المسؤولية في الإدارة الحزبية والتوافق بين الحرية والالتزام واحترم التعددية في المجتمع اللبناني كشروط أساسيّة لتقديم نموذج راقٍ عن العمل السياسي؛ ويكون بذلك عملًا يخدم الخير العام على عكس النموذج الذي ظهر طوال السنوات الماضية في لبنان.
ندخل بعدها في الفصل الأول الذي يرتكز على التراث النضالي "للقوّات اللبنانيّة"، حيث يتم التركيز على بلورة المقاومة اللبنانية إلى فكر سياسي يتناسب مع المرحلة الحاليّة. وهذه المقاومة لطالما كانت تمارس للحفاظ على سيادة لبنان وبناء دولة قوية وحرة تحفظ حقوق الإنسان وتسمح لمكوّناتها المجتمعية ببلورة خياراتها التاريخية وصناعة مستقبلها ضمن الإطار الوطني العام.
يتضمن الفصل الثاني من الشرعة مبادئ حزب "القوات" وثوابته الذي يؤمن بدولة دستورية يكون فيها القانون مرجعية للحياة السياسية والمجتمعية. كما ترتكز ثوابت الحزب على قيمة الإنسان الحر والحرية التي هي حق أساسي من حقوق الإنسان. فلا وجود للبنان من دون حرية، لبنان الوطن والكيان والميثاق والدولة، والعيش المشترك المسيحي- الإسلامي، وحقوق الفرد وسلامة الجماعة.
أمّا الفصل الثالث فيرتكز على المنطلقات السياسيّة، إذ يرى حزب القوات أن الهوية اللبنانية تعددية في جوهرها ومركّبة في تحققها وتجلياتها نتيجة تعدّد الحضارات والجماعات التي مرّت على لبنان عبر التاريخ وساهمت كل منها في نشر فكر معيّن ليتميّز بعدها لبنان بتعدديته الفكرية والدينية. وبالنسبة للدولة، فحزب "القوات" يسعى إلى لبنان دولة الحق والقانون والمساواة في الحقوق والواجبات وبين المرأة والرجل. كما يفرض تطبيق النظام السياسي بشكل سليم ممارسة سياسية صحيحة، لذا يدعو حزب "القوات" المجتمع اللبناني كله ليكون قوة تغيير ترفض الممارسات السياسية التقليدية والخضوع للإقطاع السياسي.
في الفصل الرابع، تتطرّق الشرعة إلى البرنامج الاقتصادي والاجتماعي، وتدعو إلى نظام اقتصادي حر مع الضوابط المطلوبة إلى شبكة أمان اجتماعيّة ملائمة تحمي المواطن من الاستهداف. فلا تبقى إرادته مرهونة بوضعه الاقتصادي، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا من خلال الاستقرار السياسي. ولا يتأمن هذا الاستقرار إلا بقيام الدولة القوية والقادرة بمؤسساتها الدستورية ووظائفها الأمنية والقضائية.
يحتوي الفصل الخامس على المنطلقات الثقافية والتربوية. لبنان متعدد الثقافات والخيارات. على الصعيد التربوي، يسعى حزب القوات إلى نظام تربوي في لبنان يستند على المبادئ التالية: حرية الأهل في اختيار النظام التعليمي الذي يريدونه لأبنائهم، مؤسسات تربوية مجانية التعليم، وعناية خاصة بالجامعة اللبنانية.
يتناول الفصل السادس مسألة المنطلقات في العلاقة مع الانتشار والاغتراب اللبنانيين. ويشكّل الانتشار اللبناني رئة لبنان التي لطالما أمّنت له مقوّمات البقاء في أصعب المراحل، إن سياسيًّا في بلورة رأي عام دولي يخدم المصلحة الوطنيّة، وإن اقتصاديًا من خلال الدعم المادي والاستثمارات، فلا فرق بين المقيمين والمغتربين فهم العنصر الأساسي للبنان.
يتضمن الفصل السابع المنطلقات في العلاقات الخارجية. يؤكد حزب القوات على حق لبنان في اعتماد سياسة خارجية مستقلة، ويرفض أي شكل من أشكال التدخلات الأجنبية والوصاية الإقليمية أو الدولية، بحيث تأتي المصلحة اللبنانية العليا فوق الاعتبارات كلها. أما الخاتمة فتشير إلى أن حزب "القوات"، يدعو اللبنانيين إلى تأكيد العقد التوافقي فيما بينهم وأخذ العبر من التاريخ ليحيوا بحسب القيم التي تليق بكرامة الإنسان.
أي حزب يمكنه بلورة شرعة تتناسب مع تطلّعات الشعب والممارسة هي أساس أي شرعة تكتب. وهذا ما يميّز "القوات اللبنانية" عن باقي الأحزاب. فعلى سبيل المثال لا الحصر، يحاول حزب القوات المحافظة على علاقات لبنان الخارجية مع الدول التي تتماشى معها المصلحة الوطنيّة، عبر معارضة كل من يسيء إلى هذه الدول وإقامة لقاءات مثل لقاء "إعادة تصدير الأمل" مع المملكة العربيّة السعوديّة لإعادة تنشيط الاقتصاد اللبناني وتصدير الزراعة والصناعة الوطنية إلى الأسواق الخارجيّة التي قد يزيد الطلب على المنتوجات اللبنانيّة. ومثل آخر وهو المطالبة بنزع سلاح الميليشيات كافة ودعم الجيش اللبناني ليكون القوّة المسلحة الوحيدة على الأراضي اللبنانيّة ومنها يأتي الاستقرار الأمني الذي يشكّل مقدمة أساسية لبناء اقتصاد حر.