إكليل شوك مرَّ فوقَ جبين القاع
مساحة حرة JUN 28, 2022

مرّت 6 سنوات وكأنها البارحة، حين بكت القاع الجريحة يوم 27 حزيران عام 2016، وحين طغت رائحة الدّم ولونه القاتم على فجر هذه البلدة الحدودية. فسكبت القاع بقلب جريح الدمع، ليعود إلى ينابيع أرض لبنان الكرامة والعنفوان. عندها قدّمت القاع وأهلها المقاومين جورج فارس وماجد وهبي وفيصل عاد وجوزف ليّوس وبولس الأحمر، شهداء على مذبح هذا الوطن وضمّد أهالي البلدة جراحهم بالعلم اللبناني. شهداؤها الخمسة انضمّوا إلى رفاقهم شهداء القاع حزيران 1976 وشهداء القاع حزيران 1978، لترفرف روحهم في سماء لبنان وتقول لنا "لا تخافوا ممن يقتل الجسد، فنحن هنا".

كان الفجر ساكن وبيوت أهالي الشهداء هادئة، إلى أن أفسد الإرهابيّون هذا السكون، وضجّ إجرام غدرهم متسللًا على باب بيوت لم تعرف إلّا حب الوطن والتشبث بالأرض. أربع تفجيرات أضاءت سماء القاع عتمة، لمعت قلب أهالي القاع وجع، ودَوت لا في القاع فقط بل في فكر كل لبناني حرّ يؤمن بأنّ هذه الأرض لنا لا لسوانا.

أمّا اليوم وبعد مرور سنوات، لا يزال حالنا حال الأمس، لا يزال قرار الحرب والسلم بِيد القاتل، الوضع الأمني على المحك، والحقيقة غائبة... لا بلّ مغيّبة. ورغم قساوة ذلك ومرارة الأحداث، بقوا الأهل والشباب "مزينين الدار" وعلى رأسهم الطلاب. فعلى رغم شعورهم الدائم بأن مستقبلهم مهدّد وسط بلد أمنه وأمانه "فلتانين"، إلّا أننا ما زلنا نشهد مقاومة طلابيّة سلميّة شرسة. لا ذنب لهم إلّا أنّهم تحت وطأة سلطة "بتحرق بلد لتولّع سيغارتها".

القاع انتصرت على قاتليها، بصمود أهلها نساءً ورجالًا وأطفالًا. القاع قاومت الغاصب. ومن يريد إعادة الكرّة، ولو تلتّم بألف وجه ووجه، سيعيد التاريخ نفسه. فالقاع شيمها من شيم الأبطال، والاستسلام والخضوع ليسا في أي سطر من سطور كتابها.

وإلى شهداء العزّة أقول،

أنتم منهكون بعطر البطولة، وعلى سيل دمائكم كان خلاص الوطن. ثقوا، بأن جراحكم انطبعت بنا. شهادتكم ليست مشهدًا ليُخطف، أو كلمة لتُختصر، أو ذكرى لتُستغلّ. شهادتكم وصيّة في أيادي أمينة، لن نخذلها يومًا، لن يعلو الظلم عليها يومًا، ولن يغمرها النسيان يومًا. قدركم قدر الأحرار، وقدرنا حفظ أمانة الأحرار.

العديد من الدّلالات بدت واضحة في كلّ جريمة خطّطوا لها ونفّذوها؛ لكن في كلّ مرّة سيّبوا الحقيقة بها، لَعَنهم التاريخ وأشرقَ نور الحق على القعر الذي أرادوه لنا. إنّ غرفةَ عمليّات التاريخ ترصدُ من كان شاهدًا على مجتمع الغاب وسلسلة الاغتيال المدمّر للوطن وطوفان الدمّ والعنف، وهو معروف الهويّة، في وجه من كلّل جبينه بالعزّة وصان إرادة الحياة وتوّج نضاله الوطنيّ بطعم التضحية والاستشهاد. اليوم، في الذكرى السادسة لتفجير القاع، نعلن، وبالرغم من إرادة قتلنا، أنّنا نرفضُ الانفصال عن ترانيم الحريّة، وسنكتبُ، كما الأبطال وبروح نضاليّة، صفحات مشرقة تخلِّد وجودنا عبر الزمن.

مساحة حرة JUN 28, 2022
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد