شهدت وسائل الإعلام المكتوبة في لبنان تدهورًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، وكان ذلك نتيجة سيطرة الصحافة الرقمية على الصحافة المكتوبة وتداعيات أخرى اختُتمت بالأزمة المالية التي يمر بها لبنان اليوم. إذ طالت هذه الأزمة القطاعات كافة وجعلت من المشكل الصغير مأزقًا. ولم تستطع الصحافة المكتوبة النهوض اليوم، بل استمرت في التراجع.
عمد وزيرا الإعلام السابقان رمزي جريج وملحم الرياشي، إلى مساعدة الصحافة المكتوبة من خلال مشاريع قوانين باشر فيها جريج، من ثمّ حمل الرياشي الشعلة وأكمل طريقه موسّعًا القوانين ومؤمنًا بحق حرية التعبير، ومصرًّا على أن هذا القطاع يستحق دعم الدولة كونه سلطة رابعة. لكن لسوء الحظ، لم تسلك هذه المشاريع مسارها نحو جدول الأعمال. وبالرغم من ذلك، إلّا أن عمل الرياشي لم يتوقف هنا، بل اختصر المشاريع بقانون واحد طالبًا من تكتل الجمهورية القوية تبنّي المشروع وتقديمه كاقتراح قانون معجل مكرر، لوضعه على أوّل جلسة لمجلس النواب آنذاك.
وهكذا أثبت تكتل الجمهورية القوية منذ عامين اهتمامه الكبير بدعم الصحافة المكتوبة وقبل باقتراح الرياشي. فقدّم كلّ من النائب ستريدا جعجع وفادي سعد وشوقي الدكاش وماجد آدي أبي اللّمع وجوزيف إسحق وجان طالوزيان، قانونًا معجلًا مكرّرًا لمجلس النواب، يقضي بدعم الصحافة المكتوبة ويتضمن بنودًا عديدة كان أبرزها: إعفاءات من الرسوم الضريبية والبلديّة على القيمة المضافة على رسوم الإعلانات، وإلغاء الرسوم على أبنية مؤسسات الإعلام المطبوع. كما نصّ هذا القانون على اقتراح يعفي المؤسسات الإعلامية من الرسوم عند استيراد تجهيزات تخصّ المطبوعات والعمل الإعلامي بشكل عام.
بعد دراسةٍ معمّقة لهذا القانون، تبيّن أنّه لا يشكّل أعباءً ماليّة هائلة على الدولة كذلك على المواطن، بل على العكس، يعمل هذا القانون على إعادة إحياء قطاع الإعلام المكتوب وينشل الصحف من أزمتها، كما يساعدها على البقاء كإرث حضاري للأجيال القادمة. ولمس هذا القانون تجاوبًا وحماسًا من البعض دعمًا لخدمة الصحافة المكتوبة. لكن بعد مرور سنتين على طرح هذا القانون الذي لا يحمل في طيّاته أي انعكاس سلبيّ، لماذا لم يحرّك ساكنًا؟
اقتراحان يجيبان على السؤال المطروح أعلاه؛ الأوّل يندرج في إطار عدم تطبيق هذا القانون كونه يصطدم بجدران بعض الحسابات السياسية، أمّا الاقتراح الثاني فهو عدم مبالاة المسؤولين بانهيار المنابر الأساسية لحرية التعبير. وفي النتيجة، يشكّل هذان الاقتراحان عارًا على دولة لا تبالي بأي حدث يدفع بلدها نحو الهاوية: طالما مصالحها الشخصية بخير، البلد بألف خير.
حينما ينكبّ تكتل الجمهورية القوية لتسريع تنفيذ القانون ويبذل أقصى جهوده لمساعدة ما تبقّى من الصحف لاسترجاع قواها، المسؤولون المعنيون بخبر كان، ولا يدعمون المؤسسات الإعلامية لاعتبارهم أنّها تهدف إلى انتقادهم ومحاربتهم. باختصار دولتنا تكره الإعلام الحر. بالرغم من العوائق كافة التي يواجهها التكتل، إلا أنه يعمل على الدوام على هذا القانون وغيره من القوانين للوصول إلى الأهداف المنشودة، آملين بعدم "انقراض" الصحافة المكتوبة التي لطالما كانت منبرًا لحرية التعبير والنقد البنّاء وطرح هموم الناس ومشاكلهم. فهذا الإرث الحضاري هو أرقى من أن تتعاملوا معه بهذا الاستخفاف. وبعد إقفال أهم الصحف اللبنانية، أتنتظرون إقفال ما تبقّى منها حتى تتحركوا؟
حتى لو جفّ حبر الصحف سيكتب حبر التاريخ عنها وبالخط العريض، أنكم أفشل من جاء لحكم بلد الأرز. وإذ نجحتم في جعل الإعلام مدجّن وجعلتموه يكتب ما يصبّ في مصلحتكم ومسحتم ما يضرّ فيها، فتذكروا دومًا أنّ حبر التاريخ لا يُمحى ولن يرحمكم.