أين الربيع؟ لماذا عبرنا من الشتاء القارس مباشرة الى موجات الحرّ المتتالية؟ ما السبب وراء درجات الحرارة المتطرفة؟ هذه الأسئلة والكثير غيرها يطرحها الناس اليوم، لتتوّج بسؤال أكبر، ألا وهو "هل دخل العالم عمومًا، والمنطقة خصوصًا في عصر جليدي سيسيطر على المناخ طوال فترة زمنية نعرف أوّلها لكننا نجهل آخرها؟ وما دور الإنسان في هذا التغيّر الكبير؟" فيما يلي سنحاول شرح معنى العصر الجليدي وآثاره بطريقة مبسّطة، لا يحتاج من خلالها القارئ أن يكون خبيرًا جغرافيا أو عالمّا ليفهم هذا الشرح.
العصر الجليدي هو حالة مناخية تمتد خلالها الحرارة المنخفضة مع ما تحمله من ثلج وجليد، لتغطي مساحة كبيرة من الأرض، تبدأ من القطبين (الشمالي والجنوبي) وتمتد نحو خط الاستواء (أي دائرة العرض التي تفصل الأرض قسمين: شمالي وجنوبي) مؤثرةً بذلك على الكائنات الحية والتنوّع البيولوجي، مخلّفة أضرارًا حياتية مختلفة. تنتج هذه الحالة عادة بسبب تغيّرات كبيرة، لاسيما في حالة الشمس التي تعرف فترات من انخفاض النشاط الشمسي، ما يؤدي إلى تدني درجات الحرارة على الكوكب الأزرق، أو بسبب كوارث طبيعية كانفجار بركاني ضخم يحجب من خلال الغبار البركاني وصول أشعة الشمس نحو الأرض، ما يؤثر على درجات الحرارة، فيكون الشرارة الأساسية في ابتداء عصرٍ جليدي.
هذا في الأحوال والظروف الطبيعية، أما في حالنا اليوم، فقد دخل عامل جديد على خط التغيّرات المناخيّة. وعلى الرغم من رفض مجموعة من الدارسين لهذه الفكرة، متذرعين بحصول عدة عصور جليدية سابقًا، ما يعني أن فترات برودة أو سخونة شديدة ليس سوى دورة طبيعية، بل ضرورية في حياة الكوكب، إلا أن مجموعة أخرى تعتبر أن الأمر طبيعيّ، لكنّ الإنسان هذه المرّة يسرّع التغيّرات المناخية بنسبة كبيرة. لذا يؤثر النشاط الإنساني المتسارع والتطوّر الكبير مع ما يحمله من انبعاثات للغازات السامة، فضلًا عن استخدام مواد ضارّة للبيئة ونفايات سامّة تُرمى في الأنهار والمحيطات، على الدورة الطبيعية لحرارة الأرض المتبدّلة بين عصر وآخر، وتسرّع اقتراب العصر الجليدي المقبل.
عادةً، كما سبق وقلنا، تنتج التبدلات الحرارية الكبيرة عن عامل طبيعي يدخل على "روتين" الأرض، فيبدّل حالها، أما ما يحصل اليوم ينطلق من معامل المدن وناطحات سحابها.
وفي هذا الإطار، تعرف الأرض فصولًا تتبدّل بحسب مواجهة الكرة الأرضية لأشعة الشمس ودرجة وقوعها على سطح الكوكب، كما تقوم التيّارات الهوائية والتيّارات المائية بالعمل على "تعديل" درجات الحرارة في كل بقعة من الأرض، فتحمل التيّارات الحارة بعض الدفء نحو المناطق الباردة، كما تحمل التيارات الباردة بعض البرودة نحو المناطق الساخنة، ما يجنبنا درجات الحرارة المتطرّفة. وما يحصل حاليًا هو ارتفاع الحرارة عالميًا، وهي ظاهريًا عكس فكرة العصر الجليديّ، إلا أنها فعليًا هي المقدمة لما يمكن أن نشهده من برودة شديدة. فتساهم الحرارة المرتفعة حاليًا في ذوبان القطبين الشمالي والجنوبي، بالإضافة إلى ذوبان الجليد في عدة مناطق أخرى، ما سيزيد نسبة المياه الحلوة في البحار والمحيطات، ويقلّل نسبة الملوحة فيها. ومع تغيّر نسب الملوحة ستتأثّر التيارات المائية، أي أن درجات الحرارة التي كانت تخفّ حدّتها من خلال تيارات مائية معاكسة، ستبقى على حالها، وربما تشتدّ أكثر، بالإضافة إلى ظواهر طبيعية كعواصف وأعاصير متطرفة. وبهذه الطريقة تدخل الأرض حالتها الجليدية الجديدة.
يلعب اليوم الإنسان دورًا جوهريًّا في إبطاء سرعة الأرض بتوجّهها نحو عصر جديد، قد تكون كوارثه مخيفة. ففي العصور الجليدية السابقة لم يكن الانسان موجودًا، إلا أن أكثر من نصف الكائنات الحية التي كانت على الأرض انقرضت، وواجه النصف الآخر خطر الاندحار، ومن بقي من هذه الكائنات عاش ظروفًا صعبة. فإن قبلنا هذه الحقيقة أو رفضناها، نتعرض اليوم لخطر وجودي لكل جنسنا البشري، ومن هنا يتوجب على الحكومات والمسؤولين اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لتخفيف الآثار البشرية على المناخ والبيئة من جهة، والتحضير لاستقبال عصرٍ جليدي مصغّر مع ما يحمله من طقس متطرفٍ وموجات صقيع وتغيرات كبيرة.