نقلاً عن نشرة "آفاق الشباب" العدد 78:
قراءة سيادية لمحاولات التطبيع مع النظام السوري
«قبل أن يُحاول البعض إنجاز الاتفاقيات على أنواعها مع النظام السوري أو إعادة النازحين، فليُعيدوا لنا أسرانا ومفقودينا في السجون السورية وفي طليعتهم بطرس خوند، ولتُلغَ معاهدة الأُخوّة والتعاون والتنسيق التي كانت قد أُقرّت - بقوّة القهر - في ظل الاحتلال السوري للبنان، وليُلغَ المجلس الأعلى اللبناني - السوري لأنه غير دستوري، وليُسلَّم المحكومون قضائياً في قضية تفجير مسجدَي التقوى والسلام وعلى رأسهم علي المملوك، ولتُرسَّم الحدود مع سوريا وليُعترف بلبنانية مزارع شبعا، وبعدها لكل حادث حديث»... سمير جعجع في ذكرى شهداء المقاومة اللبنانية - 10 أيلول 2017.
بدأتُ مقالي بمقتطف من كلمة رئيس حزب «القوات اللبنانيّة» الدكتور سمير جعجع لأتوجّه به إلى كل من يرى في زواريب التحالفات السياسية القائمة خضوعاً لسلطة الآخر.
بدأت كلامي بكلام «الحكيم» لأتوجّه به إلى كل من يخشى صمتنا، فنحن قومٌ لا يُخبِّئ قيمه ومبادئه عن شعبه، بكفٍ ملآن نعرض ملفّاتنا على الطاولة، أمام الخصم أولاً والحليف ثانياً.
قلناها، وسنبقى نرددها إلى أبد الأبدين: لا تفاوض مع النظام السوري، لا تعاطي دبلوماسياً مع حكّامه ولا تصافح بالأيدي، وكلّ من يخالف هذا المبدأ هو عميلٌ نظامي بهوية لبنانية.
يُقال «الخلاف لا يعني الاختلاف». من هنا، كونوا على يقين أن شعلة السيادة والشرعية ستبقى في أيادينا، وسنواجه كل من يحاول انتقاص السيادة اللبنانية وتعويم النظام السوري عبر البوابة اللبنانية.
هذا المنطق «القواتي» يتلاقى مع معارضة الجهات اللبنانية السيادية أي علاقة مع سوريا، فقد اعتبر رئيس حزب «الوطنيين الأحرار» النائب دوري شمعون أن أي لقاء بين النظامين اللبناني والسوري يعني إعطاء براءة ذمة لسوريا وحكامها، سواء لما قاموا به على مرّ السنوات في لبنان أو في سوريا.
شمعون رفض في حديث لمجلة «آفاق الشباب» أن يجتمع أي قيادي في موقع المسؤولية السياسية مع أي سياسي يمثل النظام السوري مباشرة أو غير مباشرة، مشدداً على أن الدولة اللبنانية هي المسؤولة الوحيدة عن أي تعاطٍ يتم بين البلدين، قائلاً: «لا يجوز التعاطي مع نظام هجّر الملايين من بلاده وتعدّى على لبنان وحاول كسره».
وسأل: «ما هو مصير اللبنانيين في السجون السورية؟ من يحدّ التدخلات السياسية السورية في لبنان؟ من يحاسب نظاماً ارتكب جرائم عديدة بحقّ الشعب اللبناني وأرضه وهو لا يزال حتى اليوم يحاول تطبيق أحكامه علينا، بعدما احتل أرضنا؟»، جازماً بضرورة عدم التواصل مع النظام السوري بأي طريقة.
وفي ما يتعلق بملف عودة النازحين السوريين، شدد شمعون على أن الأمم المتحدة هي الوحيدة المخوَّلة التفاوض والحوار مع النظام السوري من أجل تأمين عودة آمنة للنازحين، إذ التفاوض لحلّ هذه الأزمة لا ولن يتم من خلال الجهات اللبنانية.
موقف «القوات» تلاقى أيضاً مع تيار «المستقبل» إذ أكد القيادي فيه مصطفى علوش أن مسألة التنسيق مع النظام السوري مرفوضة تماماً وسابقة لأوانها، خصوصاً أن كل الحجج التي يستخدمها أصدقاء نظام بشار الأسد غير منطقية.
«يحاولون ابتزاز اللبنانيين بمسألة اللاجئين في وقت كل المعطيات تؤكد أن بشار لا يريد عودتهم إنما يرغب بالتخلص من هذا العبء السكاني المذهبي. بالنسبة له 10 أو 12 مليون سنّي خارج الحكم في سوريا أمر مهم جداً. من هنا إنّ استخدام منطق ضرورة التطبيع لإعادة اللاجئين غير صحيح»، يقول علوش لـ»آفاق الشباب».
ولفت الى أن «سلوك النظام لم يتغير تجاه لبنان، فمنذ فترة وجيزة برز اتهام بحق ميشال سماحة الذي يطال الرأس الأمني للنظام في سوريا، وكذلك اتهام أحد الأجهزة الأمنية في سوريا بتفجير المسجدَين في طرابلس... عملياً أي تطبيع يجب أن تسبقه إعادة الأمور الى نصابها ومحاكمة المتهمين بالإغتيالات والتفجيرات».
وأشار الى أن شكل النظام في سوريا غير واضح في ظل الحديث عن فدرالية قد تحاول تمريرها الفدرالية الروسية في سوريا، مشدداً على أن عودة النازحين تكون عبر الضغط على الأمم المتحدة لإيجاد الحلول.
وعن موقف رئيس الحكومة سعد الحريري من لقاء بعض الوزراء اللبنانيين مسؤولين سوريين، قال: «نواجه الأمور بطريقة ما تيسر ودفن الرؤوس في الرمال. للأسف هناك دولة داخل الدولة عند البعض ممن يقاتلون في سوريا، والزيارات الى سوريا تحصل خارج منطق الحكومة وتوجّهها ولا ارتباط لها بالتوجه الوزاري... كل وزير يعتبر نفسه سلطة قائمة بذاتها، ومرجعيته ليست الحكومة إنما الجهة السياسية التي ينتمي لها».
وفي شأن محاولات التطبيع، قال : «ليس أمام الرئيس الحريري سوى الصبر بإنتظار استقرار الأمور بشكل نهائي».
من هنا، من آفاق هذه المظلة الوطنية السيادية، نقول:
مُخطئ من يعتقد أن بإمكانه تطبيع العلاقات مع سوريا من خلال تمرير ملفٍ من هنا وآخر من هناك... مُخطئ من يعتقد أن ملف عودة النازحين السوريين الى بلادهم قادر على إعادة العلاقات الى مجراها مع نظام هجّر أبناءه ودمّر منازلهم... مُخطئ من يعتقد أن للبنان ذاكرة مفقودة، محَتها التحالفات السياسية وأخفتها التجاذبات السياسية.
نحن شعب لا ينسى... لبنان يا إخوان لن يكون ممراً لعملاء يتسكّعون على مقاعد لبنانية بغطاء سوري، ولبنان لن يكون قاعدة لنظام وحاكم مُدان بمحاولة اغتيال لبنان، سياسياً واجتماعياً.
نحن شعب لا ينسى... لبنان يا إخوان، لن يفاوض ولن يبني العلاقات مع النظام قبل أن يعيد لنا أسرانا ومفقودينا في السجون السورية، وقبل تسليمنا المحكومين قضائياً في تفجيري مسجدَي التقوى والسلام وعلى رأسهم علي المملوك، وقبل ترسيم الحدود بين البلدين والاعتراف بلبنانية مزارع شبعا.
مُخطئ من يعتقد أن طريق بشار الأسد تمرّ من معراب!