نقلًا عن نشرة مجلة آفاق الشباب - العدد 86
رفيقاتي ورفاقي،
تحلّ علينا مناسبة تكريم شهدائنا هذا العام، كما كل عام، ولبنان أبعد ما يكون عن الوطن الذي استشهد من اجل قيامه رفاق لنا. لا بل صرنا نتحسّر أكثر فأكثر، في بعض الأحيان، على استشهادهم لابتعاد لبنانهم الذي بذلوا دماءهم من اجل الدفاع عنه، عن لبناننا الذي نستظلّ اليوم سقفه المثقوب، وأرضه المتحرّكة على كل أنواع المعضلات والهموم والمشاكل.
لم يكن قتالنا كحزبٍ ناضل خلال الحرب وقاوم كل أنواع الاحتلال والوصاية والتدخّل في شؤوننا الداخلية قدراً، بل كان خياراً، لأن البديل عنه كان قائماً على الدوام، لا بل كان مطلوب منّا وايضاً على الدوام، وهو استسلامنا للأمر الواقع والقبول باستتباعنا لدول ومحاور اجنبيّة.
وخلافاً للدعاية المغرضة التي لازمت القوات اللبنانية طويلاً، لم يحرّكنا أحد ولم يحرّضنا أحد على الدفاع عن الوطن، وما سقوط هذا الكمّ الكبير من الشهداء لنا في ايّام الحرب الأولى، الاّ دليل على نبوع ارادة المقاومة من قلوب شبابنا، دون تنظيمٍ في بادئ الأمر، الى أن تحوّل دفاعنا عن ارضنا الى عمل مؤسساتيّ وعقيدة راسخة والتزام بقضيّة لا تموت: المحافظة على لبنان ال١٠٤٥٢ كلم٢، سيّداً حرّاً مستقلاً.
التاريخ اليوم يتكرّر، والمسألة واحدة: الدولة اللبنانية، تكون أو لا تكون.
لا فرق بين هدم أركانها بالأمس وبين منع قيامها اليوم، فالهدف هو هو، قتل الحلم اللبناني بجمهورية مكتملة الأركان والركائز.
عام ١٩٧٥ كان جزء من اللبنانيين يبدّي مصالح دول وجماعات اجنبية على المصلحة الوطنية، والجزء الآخر وقف في مواجهته. واليوم جزء آخر من اللبنانيين يبدّي مصالح دول أخرى على المصلحة اللبنانية، او يهتمّ بمصالحه الخاصة الضيّقة قبل سواها، والجزء الآخر يقف بمواجهتهما، وهو نفسه الفريق الذي تحمّل وزر الحرب، ولا يزال يتحمّل وزر حمل همّ قيام الدولة في زمن السلم الوهمي.
هذا نحن: قواتٌ لبنانية، جمعت مقاتلين ومفكرين، ثم مضطهدين ومعتقلين، ثمّ مقاومين سلميّاً بسلاح الفكر والموقف، وفي كل الأوقات: ترفرف فوق رؤوسنا جميعاً أرواح شهداء أبرار.
رفيقاتي، رفاقي
لن نصرف بعد اليوم أيّ جهد للدفاع عن تاريخ القوات، فتاريخها ناصع، بل سنبذل كل الجهد للهجوم على حاضر باقي الفرقاء، فحاضرهم ملطّخ. ان حيلة شيطنة القوات واستذكار تاريخ الحرب البغيضة وتحميل القوات منفردةً تبعاتها، لم تعد تنطلي علينا. لن نكون في موقف المدافع بل المهاجم لمصلحة لبنان.
القوات اللبنانية اليوم في موقع المستعدّ والمتأهّب لخوض كل المعارك اللازمة لقيام دولة القانون والمؤسسات، وهي اذ تدرك صعوبة خوضها في ظلّ استحكام الفكر الزبائني بكل مفاصل الدولة، لن تتهيّب ولن تتراجع او تساوم.
لقد اعدّت القوات العدّة:
حضور وزاري ونيابي فاعل ووازن، مؤسسة حزبية تضجّ بالروح الشبابية بكلّ خفقانها على رأسها حكيم متمرّس، مؤمن ومناضل، وسمعة شعبية داخلية، ودولية راسخة بابتعاد القوات عن منطق المحاصصة وتقليد الفساد المزمن.
ايها الشباب، أنتم عنصر القوّة. نتمنّى ان لا تدفعكم الأيام الى المتاريس والجبهات مرّة اخرى، وان تكون الحرب ذكرى مؤبّدة لن تبعث من جديد، وبدلاً عنها نتمنّى أن تندفعوا الى الصفوف الأمامية في العمل والعلم والاعلام والكلمة الحرّة والمهنية العالية في كل اختصاصاتكم.
انتم العلامة الفارقة في هذا الوطن، بانفتاحكم على كل الأفكار والآراء ومناقشة مضمونها، بالتزامكم احترام القوانين وثقافة سيادة القانون، بتمسّككم بالتعددية الفكرية واحترام الحريات العامة، بكونكم دستوريون، جمهوريون، ليبراليون. ثابتون على دينكم في هذا الشرق ومنفتحون على سائر الأديان فيه.
تلك هي ثقافة القوات اليوم التي تشبه الى حدّ التطابق مبادئ الأوّلين منّا الذين ماتوا لنحيا، استشهدوا لنبقى، ولكي نقول اليوم وبكل فخرٍ وعنفوان:
هنّي #ما_راحوا وانتوا #ما_رح_تهاجروا
ختاماّ أودّ ان اؤكّد لكم ان الحزب الذي قاتل دفاعاً عن أرضه، وقدّم شهداء، واجرى مراجعة سياسية لمواقفه، وثبت في قناعاته، ليس مجرّد حزب... انّه قضية. ونحن اليوم أبناء هذه القضية، وغداً آباؤها.