يكافأ عمّال الانقاذ في كافة دول العالم بتعويضات ومكافآت تقديرًا لجهودهم وتضحياتهم، بينما يكافأ عناصر فوج الإطفاء في لبنان بنقص في التجهيزات والمعدّات تجعل من كلّ عنصر منهم مشروع شهيد. تجتمع في ٤ أيّار مناسبتان اثنتان تخصّان هذا الفوج؛ الأولى وهي اليوم الوطني لفوج الإطفاء اللبناني، والثانية ذكرى مرور تسعة أشهر على كارثة انفجار مرفأ بيروت.
للعيد هذا العام طعم آخر، فعمّال الفوج واجهوا سنة مليئة بالتحديات، بدأت مع حرائق الغابات في خريف ٢٠١٩ حتى التحركات الشعبية في ثورة السابع عشر من تشرين الأول، مرورًا بالتدهور الاقتصادي غير المسبوق الذي يشهده البلد، وصولًا إلى الكارثة الأكبر في المرفأ التي أودت بحياة عشرة من عناصر فوج بيروت، وأخيرًا الجائحة الصحية التي فرضت مشاركة العناصر في حملات تعقيم مع تفشّي فيروس كورونا.
وعلى الرغم من كلّ التحديات التي يواجهها كلّ إطفائي وسائق ومسعف في هذا السلك، إلّا أنّ ذلك لم يحلّ دون قيامهم بواجباتهم وتلبية نداء الواجب بإمكانيات أقلّ ما يقال عنها "قليلة"، بدءًا بآليات الإطفاء وسيّارات الدعم وأجهزة التنفس والأجهزة اللاسلكية.
وعلى غرار ما يعتقد البعض، فوج الإطفاء ليس جزءًا من مديرية الدفاع المدني، بل هو جهاز مستقلّ تابع لبلديات المناطق. عقد كثيرة تبرز في ملف عمّال هذا الفوج، فمن المضحك المبكي أنّ مشكلة التثبيت التي عانها المتطوعون على مدى سنوات وعبّروا عنها في تحركات تظاهرية، حلّتها دماء شهداء الفوج في كارثة ٤ آب، عبر انضمام ٣٥٤ متطوّع إلى ملاك الفوج، من ضمنهم ستّة قضوا في انفجار المرفأ. لكنّ العقد لا تنتهي هنا، مع استمرار مشكلة نظام التقاعد الذي يفرض على الموظف أن يتقاعد في السادس والخمسين من عمره، شرط أن يكون قد أنجز أربعين سنة من الخدمة المتواصلة ليحصل على الحدّ الأقصى من معاشه التقاعدي؛ وهذا الشرط شبه تعجيزي إذ يتوجّب على الموظف عندها الالتحاق بالفوج، بينما لا يزال عمره دون الثمانية عشرة عاماً.
حال مراكز الفوج ليست أفضل من وضع العمّال، إذ إنّ العديد منها بحاجة إلى إصلاحات. إنّما النقص في التمويل فرض عليها أن تبقى على حالها، ولا سيّما مقرّ فوج إطفاء بيروت الواقع على بعد بعض مئات الأمتار عن المرفأ الذي ألحق به الانفجار أضرارًا إضافية لم يتعاف منها المركز كلّيًا، بعدما خلّف الانفجار آثارًا واضحة في نوافذ المحطّمة والأسلاك المتدلية والغرف المدمرة وقلوب العمّال الثكلى.
الإهمال الذي طال فوج إطفاء بيروت قد يكون الأكثر بين أفواج الإطفاء، وقد انعكس هذا الإهمال في أداء مهمّاتهم في السنوات الأخيرة، إذ اضطرّوا إلى الاستعانة بالبلديات المجاورة لتنفيذ المهام ما كبّدهم خسارة عاملَيْن من الإطفاء قبل خمس سنوات، وهما العريفان عادل سعادة ومحمد المولى، في عمليّة إنقاذ لم تتوافر فيها أجهزة لاسلكية للتواصل بين الأفراد.
يتقاذف رؤساء البلديات والمحافظون والمعنيون المسؤولية في إهمال تجهيز الفوج وإمداده بالمعدّات المطلوبة لتنفيذ المهام، كونهم لم يتوصّلوا بعد حتّى اليوم إلى حلول جذرية تنصف العمّال الذين يرمون بأنفسهم في الخطر، بينما حقوقهم الأساسية غير محصّلة. عزيمة عمّال الإطفاء لم تنقص بعد كلّ ما عانوه من كوارث ومصاعب، فهم يقبعون في الصفوف الأمامية في التصدي لكافة أنواع المخاطر.
ولا زالت أفواج الإطفاء في لبنان، ولا سيّما فوج إطفاء بيروت تتكبّد خسائر فادحة بشرّية ومادية ومعنوية سببها الإهمال وامتناع الوزارات المعنية عن تأمين المطلوب للأفواج كلّها التي تشكّل خطّ الدفاع الأمامي للبنان. أما في كارثة المرفأ، فرأينا نماذج متعدّدة لأفواج الإطفاء من كافة أنحاء العالم، وبمقارنة بسيطة بينها وبين أفواج الإطفاء المحلية، يبرز كم أنّ عامل إطفاء أجنبي واحد مجهّز بمعدّات وأدوات تفوق تجهيز فوج محلّي كامل... هذا النقص هو ما أدّى إلى عجز فوج الإطفاء عن تنفيذ العديد من المهام في نكبة بيروت، ما اضطرّه إلى الاستعانة بأفواج الخارج لإتمامها. وينبغي على المعنيين تحمّل المسؤولية من حيث الإيفاء بوعود نطقوا بها من سنوات ومتابعة ملف انفجار المرفأ لتحقيق ولو جزء من عدالة الأرواح العشرة الشّابة التي خسرها السّلك.