يعيش لبنان اليوم في أسوء أزمة اقتصادية في تاريخه، إلى حد وصف البنك الدولي الحال فيه، كواحدة من أسوء ثلاث أزمات منذ منتصف القرن التاسع عشر؛ وليس ذلك إلا دلالة على مدى تقاعس وتقصير وفساد السلطة التي استنزفت المال والعباد حتى آخر رمق. فسرعان ما تحولت الأزمة الاقتصادية إلى أزمة مالية فنقدية، وانتقلنا من تراجع القدرة الشرائية للفرد إلى انهيار سعر صرف الليرة مقابل الدولار، وصولًا إلى شحّ المواد الأساسية والبدء بإزالة الدعم عنها وعن بعض السلع.
حاولت الدولة مواجهة تلك المصائب بأنصاف الحلول التي قد تخفف وطأة بعض النتائج، لكن لا تعالج الأسباب، كالسلة الغذائية ومؤخرًا قانون "الكابيتل كونترول". أما فيما يخصّ الأزمة النقدية، فجاءت إحدى تلك الحلول من مصرف لبنان من خلال منصة صيرفة.
ما هي المنصة وإلى ما تهدف؟
منصة صيرفة هي بشكل عام منصة إلكترونية لعمليات الصرافة بمشاركة المصارف والصرافين وفقًا للعرض والطلب في السوق؛ لن تكون محصورة بالمستوردين أو من له سبب موجب لشراء الدولار، إنما تستطيع المصارف بحسب تعميم مصرف لبنان، "تأمين الحاجات التجارية والشخصية لعملائها، أياً تكن صفتهم".
أما هدفها فهو بداية برمجة سعر الصرف الموازي في السوق السوداء مع سعر المنصة، ثم السيطرة على سعر الصرف وربما محاولة تخفيضه وحصر ارتفاعه المفرط، والتدخل لامتصاص السيولة كلما دعت الحاجة بمعدل ٤ ملايين دولار يوميًا، بحسب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
هل تحقق المنصة هدفها؟
حدّد مصرف لبنان يوم الخميس ٢٠ أيار ٢٠٢١ تاريخ بدء العمل بالمنصة على سعر صرف ١٢٠٠٠ ليرة لبنانية للدولار الواحد. لكن من الواضح أن منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا، لم تنجح المنصة في تحقيق مبتغاها. فبعد عشرين يومًا لا يزال سعر الصرف في السوق السوداء في ارتفاع حتى بلغ ١٤٧٥٠ ليرة للدولار الواحد من دون أي مؤشر لأي انخفاض قريبًا.
لماذا لم تنجح المبادرة؟
بعد البداية السيئة والضعيفة للمنصة، السؤال المطروح هو: هل فشل سلامة في مواجهة الصرافين ولجمهم، لا سيّما غير الشرعيين منهم؟ وهل هو عاجز عن السيطرة على السوق في ظلّ مافيات السوق السوداء؟
كما سبق وذكرنا، يكمن الجواب في أن كلّ تلك الحلول والمبادرات ليست إلا لترقيع النتائج لكنّها لا تعالج الأسباب التي تكمن في فساد الطبقة الحاكمة. إذ طالما سوء الإدارة والفساد والهدر مستشري مع غياب الحوكمة الرشيدة وبقاء المنظومة ذاتها، كلّ انصاف الحلول تلك لن تنفع، و"فالج ما تعالج".