لبنان في بؤرة المشاكل
ها هي سنة قد انصرمت على اندلاع ثورة ١٧ تشرين، ثورة لتلبية أدنى حقوق الشعب ومطالبه. لكن حتى اليوم، أيّ شيء لم يتغيّر. مرّت سنوات عديدة ولبنان غارق في بؤرة مشاكل: فساد وفلتان سياسي من كلّ حدب وصوب، وفي شتّى الإدارات والمؤسسات. كلّ هذه التراكمات تفجّرت خلال السنتين الأخيرتين، إن كان على الصعيد السياسي أو الأمني أو الاقتصادي تحديدًا. لكن هل تقع مسؤولية كلّ ذلك على عاتق المنظومة السياسية فحسب؟ أليس المواطن شريكًا فيما آلت إليه أحوال الدولة؟
اقتصاديًّا
أدى تدهور سعر صرف العملة الوطنية والعجز المالي إلى حرماننا من أموالنا وجنى أعمارنا واحتجازها في المصارف التجارية. وفي السياق ذاته، كيف لنا أن ننسى غلاء المعيشة الذي بات يأكل من عظام المواطنين؟ باتت المعيشة في لبنان ثقلًا وزينًا على كاهل المواطن الذي يصل ليله بنهاره لتأمين القوت اليومي.
مؤسساتيًّا
يُترجم الفساد المستشري والمتشعب داخل مؤسسات الدولة، باختلاس المال العام والرشاوى والمحسوبيات الجمة، إذ يُقال الموظفون الكفؤ من مراكزهم ويُستبدلون بآخرين محسوبين على أقطاب المنظومة السياسية الفاسدة. أضف إلى ذلك أنّ عددًا مهمًّا من موظفي الدولة يتقاضون رواتبهم من دون حضورهم إلى مراكزهم، ناهيك عن موظفي القطاع العام الذين انتدبتهم مؤسسات غير عاملة تابعة للدولة، على غرار موظفي سكة الحديد والنقل العام.
خدماتيًّا
يعيش المواطن اللبناني في القرن الواحد والعشرين، محرومًا من أبسط حقوقه بسبب التقنين الكهربائي والمياه الملوّثة والشحيحة وفواتير الهواتف والإنترنت الباهظة وغياب البنى التحتية الملائمة لحياة كريمة، مثل إنارة الطرقات وعلى المنوال ذاته تابع.
دراسيًّا
فيما غدا التعليم عبر الإنترنت، اصطدم المواطن من جديد بثلاثة عوائق، ألا وهي: عدم توفّر الآلات الذكية لدى جميع الطلاب وعدم توفّر الإنترنت في البيوت كافة وكلفة باقات الإنترنت الباهظة. من جهة أخرى، لا تحاكي المناهج التعليمية الحالية متطلبات الحداثة ولا سوق العمل.
وأبعد من ذلك...
إنّ الأمن الغذائي والصحي للمواطنين على المحك. ها قد فرضت الأزمة المالية عوائق كثيرة على استيراد عدد مهمّ من المواد الغذائية والمستلزمات الطبية والأدوية. أمّا الأزمة الأكبر، فتكمن في استيراد المواد الأولية وتهريبها عبر الحدود اللبنانية – السورية، وعلى عينك يا تاجر.
أمنيًّا
ما انفكّ لبنان في الآونة الأخيرة يتعرّض لكوارث أمنية جمة، وأبرزها كارثة ٤ آب. لعلّ الدويلة التي تتستّر تحت رداء الحكام كارثة أمنية من نوع آخر، إذ تعزم تمرير أجنداتها السياسية في غطاء الدولة. أمّا بعد، فها قد عدّدنا عينة صغيرة جدًّا عن الواقع اللبناني، وبعيدًا عن تحميل المنظومة السياسية الفاسدة مسؤولية كلّ ذلك من دون تبرأتها. ما هي المسؤولية التي تقع على عاتق المواطن؟
لمحة عن الانتخابات النيابيّة السابقة
شنّت أقطاب المنظومة الفاسدة حروبًا إعلامية وسياسية على بعضها البعض في الانتخابات السابقة، وعبّرت عن جشعها وطمعها بالحقائب الوزارية والمقاعد النيابية والرئاسية. إلّا أنّ هذه الأقطاب التي تجاذبت أمام الرأي العام بأنيابها المسنونة، عادت لتتصافح الأيدي من تحت الطاولات، وتتعاون على امتصاص آخر رمق تبقّى للمواطن اللبناني. فيما كان همّ المواطن تحسين الدولة ومؤسّساتها، كان همّ المنظومة الأوّل والوحيد هو المحاصصة، مستتر بستار "ما خلّونا".
من المسؤول؟
بحسب الأرقام الانتخابات النيابية السابقة، شارك ٤٩% من المواطنين في القرار البرلماني فقط، فيما امتنعت الأكثرية الباقية عن الإدلاء بصوتها. برهنت هذه الأرقام وبأسف، جهل فئة مهمة من المواطنين وقلّة الإدراك وغياب الحسّ بالمسؤولية الوطنية. لذلك، إنّ أوّل مسؤول عمّا آل إليه الوطن، هو المواطن الذي لم يقترع.
كارثة الاقتراع في الانتخابات النيابية السابقة
ليس الممتنعون عن الانتخاب وحدهم مذنبين. ففي الانتخابات السابقة، وقع المواطن في دوّامة الرشاوى والتوظيف العشوائي لشراء الأصوات. كما أدلى عدد مهمّ من المواطنين بأصواتهم لأشخاص غير مناسبين، لأنّهم مرتهنون لزعماء سياسيين أقلّ ما يقال عنهم "كفّار" في حق الوطن. شريحة من المواطنين أوصلت أشخاص جديرين إلى مراكزهم، إلّا أنّ ذلك لم يكن كفيلًا لانتشال الدولة من مستنقعها السياسي.
أهمية المشاركة في الانتخابات المقبلة
أوصلت قلّة إدراك بعض المواطنين وحسّهم بالمواطنية، منظومة فاسدة إلى غير مكانها. وطننا ينادينا. لإجراء انتخابات نيابية مبكرة، وننتخب فيها بحذر وإتقان لإيصال الأشخاص المناسبين للمقاعد المناسبة، ونمتنع فيها عن التصفيق للزعيم وننصرف إلى البحث في الجداول المطروحة.
أخيرًا، يقع على جدول واجباتنا واجبًا يتمثّل في الاقتراع والترشح ودعم الوجوه الحديثة للبنان والشهداء الذين سقطوا ليبقى الوطن لحقوقنا وكرامتنا وأولادنا ومستقبل الوطن.