"أنا مش كافر بس الجوع كافر"
مساحة حرة JUL 09, 2020

أصبحت عبارة "أنا مش كافر بس الجوع كافر" من أشهر الجمل في لبنان، لاسيّما بعد أن كانت آخر ما كتبه أحد إخوتنا في الوطن قبل أن يقتل نفسه وينهي عذاباته في هذا البلد الذي يكاد يصبح جحيمًا. عرف ذاك المواطن إيمان أبناء بلده، فترك هذه الرسالة التي "تبرّئه" أمام من سيتّهمونه بالكفر لأنه قتل نفسه، وسينصبون أنفسهم حكامًا وآلهةً، وسيكملون جلده بعد رحيله كما فعلوا قبله.

 

نعم، نحن سنبدأ بلوم من انتحر وننسى من كان السبب في انتحاره، وكلّ منّا سيجد فيه علّة تسهّل علينا إدانته. فطرح أحد العباقرة لنا حلًّا بأن كان على الرجل أن يبيع مسدسه ويعيش من ثمنه، وعبقري آخر سأل عما إذا كان تعرّض للخيانة من حبيبته أو زوجته، بينما استفحل في دينونة الضحية أحد مدّعي الإيمان والمدافعين عنه. وصمت بعض من الجبناء الذين يخجلون من قول الحقيقة. أما من هو وطني أصيل فلم يسكت ولم يدين، ولم يدافع عمّن سبّب الجريمة ولم يجلد الضحية ويقتلها مرّتين.

 

"أنا مش كافر" جملة نتسابق على قولها في وطن تحكمه الطائفية وتنقصه المحبة الأخوية. وطن نختلف فيه على الإيمان، وبإسم الإيمان قسمنا لبنان؛ ننتمي إلى المناطق والأقضية والمحافظات ونقتل بعضنا بسبب مواقف سيارات؛ ننتمي إلى العائلات والقبائل والعشائر ومن أجلها نبيع الضمائر...

 

"أنا مش كافر" بلى، أنا اللبنانية المسيحية المؤمنة الملتزمة كفرت، لأن الرب الذي أؤمن به لم يعلّمني أن أكره أخي في الوطن ولا أن أحقده ولا أن أقتله. ربي لا يرضى أن أسكن القصور المسروقة ويبقى أخي ميتًا من شدة الجوع على جوانب الطرقات، ولا يرضى أن يحكمني من يقتل المسيحي بحجّة الدفاع عن حقوق المسيحيين، ولا ذاك الذي يرسل أفضل شبابنا ليموتوا في سبيل الدفاع عن الدول بحجة الدفاع عن المقامات الدينية، أو من ألبس جبل محسن وباب التبانة ثوب الإرهاب بحجة الدفاع عن السنة، ولا أن يحكمني من يريد أن يقسم الدروز ولا من يريد أن يوطّن الفلسطيني والسوري، أو من يريد أن يصبح لبنان محافظة إيرانية أو تركية أو إمارة سعودية أو ولاية أميركية، أو ذات انتماء مصري أو أوروبي. لا أريده سويسرا الشرق، ولا كوبنهاغن ولا طوكيو ولا بكين، بل أريد فقط لبنان.

 

كفرنا يا حكامنا فاتّقوا الله بنا. كفرنا أيها الجالسون على الكراسي، كفرنا يا من تتفرّجون علينا موتى ومهاجرين. كفرنا من حرمتم الجيش من أقل حقوقه، كفرنا جوعًا وعطشًا. كفرنا على ضوء الشموع والقناديل، كفرنا على وقع أخبار الانتحار والقتل والسرقة، وأية سرقة؟ سرقة علبة حليب وكيس حفاضات، كفرنا حوادث على طرقات الموت، كفرنا طلابًا على أبواب المدارس والجامعات، ومرضى على أبواب المستشفيات، وعائلات وشبانًا على أبواب السفارات.

 

في الأمس، قالوا "أنا مش كافر بس الجوع كافر" أما اليوم فأقول لكم "الجوع كافر نعم، لكن أنا كلبناني تحكمه كل هذه الجماعات الظالمة، ويموت آلاف المرات يوميًا، صرت كافرًا أكثر من الجوع!"

مساحة حرة JUL 09, 2020
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد