الكورونا ومستقبل العلاقات الدولية
مساحة حرة MAY 18, 2020

الثاني من أيلول 1945 نهاية الحرب العالمية الثانية. حرب امتدت لستّ سنوات، طال شرّها معظم دول العالم وكانت نهايتها بداية للنظام الدولي الجديد وهيمنة للدول المنتصرة على مستقبل العلاقات الدولية. الكورونا اليوم وباء عالمي وخطر لم يسبق للبشرية أن واجهت مثله في تاريخها المعاصر. إنّه حرب عالمية جديدة على عدوّ خفي بأسلوبٍ مختلف وبعتادٍ مغاير للنظرة الكلاسيكية والعادية للحروب، وقد تكون نهايتها أيضًا بداية تغيرات جذرية في العلاقات الدولية.

 

وانطلاقًا من تصريح جيل غرسياني الأستاذ المحاضر في معهد العلوم السياسية في باريس، إنّ "العالم لن يكون بعد نهاية أزمة "كوفيد-19" كما قبلها، وأنّ تغييرات كبيرة يمكن أن تطرأ على مستقبل العلاقات الدولية". كما طرح العديد من المحللين السياسيين فرضيات مهمة كإمكانية للصعود الصيني العالمي وانحدار النفوذ الأميركي، كذلك الوضع الحرج الذي يمر به الاتحاد الأوروبي وإمكانية تفككه، مدعمين سيناريوهاتهم بأحداث عديدة مرّ بها العالم في فترة الشهرين السابقين.

 

فالجدير بمعرفته أنّه في حرب كهذه، سيخرج الجميع خاسرين بتقدير الأمم المتحدة بـ2.7 تريليون دولار تقريبًا، إن على الصعيد الاقتصادي أو المالي أو البشري أو السياسي. لكن الأقوى الذي سيبرهن صلابته وجدارته ليكون لاعبًا أساسيًّا في العلاقات الدولية في المرحلة المقبلة هو من يستطيع التغلب على هذا الفيروس بأقلّ ضرر ممكن ويستفيد من تعافيه باكرًا للسيطرة على اللعبة الدولية.

 

تحاول الصين وبمعرفتها لأهمية هذا الموضوع، إيهام العالم أنّها خرجت منتصرة على الوباء، وتحاول لعب دور المساعد الخبير والقوي عبر تقديم معدات طبية عينية أو تقنية لدول عديدة. أضف إلى ذلك مساعدة بقيمة 30 مليون دولار لمنظمة الصحة العالمية والوقوف إلى جانبها ضد حملة ترامب عليها والاتهامات التي وجهها لها.

 

من ناحية أخرى، بدت الولايات المتحدة الأميركية في وضع لا يُحسد عليه أمام هذا الفيروس لصعوبة محاربته والتصدي لانتشاره وارتفاع عدد الإصابات والوفيات. ممّا أدّى إلى ولادة نكبات اقتصاديّة لا سيّما في سوقها النفطي وارتفاع نسبة البطالة.

 

وهذا لا يعني أن الصين ستتربع على عرش النظام الدولي بهذه السهولة، لأنّها خرجت أيضًا بخسائر وانحدار%6.8 من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من عام 2020. فإنّ السخط الكبير والاتهامات التي طالتها من دول عديدة كالمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية، لإخفاء تفشي الفيروس في البداية وعدم الإفصاح عن حقيقته، وإنّ فيروس الكورونا مصنّع في الصين وإنّ الحكومة الصينية تسعى إلى طمس دلائل على هذه الاتهامات، يصعّب المهمة عليها خصوصًا مع تهديدات بفرض عقوبات جديدة. كما ستستعيد الدول صاحبة الاقتصادات القوية والمتينة، عافيتها وتعوّض خسارتها على المدى المتوسط؛
وبهذا لن تطول النكسة على الولايات المتحدة لتستعيد زمام الأمور كما السابق.

 

أما بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، الأمر ليس سهلًا من ناحية الحديث عن مدى هشاشته وصعوبة استمراريته بعد فترة الكورونا وإمكانية تفككه خصوصًا بعد التجربة التي عاشتها كلّ من إيطاليا وإسبانيا اللتين أصبحتا وحيدتين في عزّ الأزمة والحاجة، والحديث عن "بريكسيت" جديد قد يكون بطلاها هذه المرة البلدين المنكوبين.

 

فالخروج من الاتحاد الأوروبي عملية صعبة قد تكبّد البلدين المنهكين المزيد من الخسائر والصعوبات التي لا تستطيع أيّ دولة تحملها في المراحل العادية؛ فكيف اليوم؟ أضف إلى أنّ دولًا متعثرة وصاحبة اقتصاد متوسّط ليس من مصلحتها الخروج من اتحاد يدعم نفسه كما حصل مع اليونان في أزمتها عام 2009.

 

ويبقى السبب الأهم هو الضغط الكبير الذي ستمارسه الولايات المتحدة وحلفاؤها المستفيدة عمليًّا من الاتحاد على الدول التي توّد الخروج. فلن تسمح للصين وروسيا بالاستفادة من هذا الانشقاق وتوسيع نفوذهما داخل أوروبا الغربية ودول كإسبانيا وإيطاليا اللتين بكلّ تأكيد ستفتحان علاقات مع الدول. وبالتالي، ينبغي على هاتين الدولتين بعد تخطي هذه الأزمة، العمل على وضع خطط مستقبلية مع جاراتها تأكيدًا لعدم تكرار هكذا أخطاء في المستقبل.

مساحة حرة MAY 18, 2020
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد