الإتفاق الصيني-الإيراني: مصالح متبادلة لخمسة وعشرين سنة
تحقيق MAY 27, 2021

في 27 آذار 2021 وقّعت الصين اتفاقية إستراتيجية مع إيران. فبعدما كانت الصين تشتري النفط الإيراني بالسرّ بسبب العقوبات الأميركية المفروضة، بات التبادل بين البلدين علنيّ بموجب هذه الاتفاقية التي أصبحت تشكّل تحديًّا كبيرًا للعملاق الأميركي ولعقوباته المفروضة على إيران، وكانت ضربة مباشرة للولايات المتحدة الأميركية التي تحاول الضغط على إيران من جهة، واحتواء الصين وتعاظمها من جهة أخرى. أُطلق على الاتفاقية إسم الشراكة الإستراتيجية الشاملة لمدة 25 سنة.

 وعلى الرغم من سرية الاتفاقية التي تضمّ 18 صفحة، إلّا أنّ مسؤولًا إيرانيًا سرّب مسودة نهائية في أيلول 2020. فأتت خلاصة الاتفاقية على الشكل التالي:

في الشق الاقتصادي:

تضخ الصين في السوق الإيراني استثمارات مجموعها 400 مليار دولار على مدار 25 سنة، فيما يقارب 100 مشروع منها سكك الحديد والموانئ والبنوك والاتصالات والطاقة النووية ومترو الأنفاق والبنى التحتية لشبكة الجيل الخامس (G5). وستأخذ الصين في المقابل إيرادات منتظمة من النفط الإيراني طوال 25 سنة وبسعر أقل من السوق. وبالنظر إلى سعر برميل النفط في السوق العالمي الذي يتراوح بين 60 و70 دولار للبرميل الواحد، نرى أن سعر النفط الإيراني سيكون أقل من 3 دولار للبرميل. وشمل الاتفاق اقتراح بنك صيني إيراني سيتعامل عبره الطرفين بكل ما يتعلّق بالتحويلات المالية بطريقة تخولهم الهروب من مفاعيل العقوبات الأميركية.

في الشق الأمني العسكري:

لا يقلّ الشق الأمني العسكري أهمية عن الاقتصاد، لا سيّما وأن الولايات المتحدة الأميركية منخرطة في صراعات مع الجانبين، إما عبر الاحتكاك المتكرر للأسطول الأميركي في بحر الخليج بالسفن الإيرانية أو عبر انتشار قواعد عسكرية أميركية في بحر الصين الجنوبي. وبحسب الاتفاقية، ثمّة تعميق للتعاون الأمني والعسكري بين الطرفين عبر تدريبات ومناورات مشتركة وتعاون في تطوير الأسلحة وتبادل المعلومات الاستخباراتية.

موقع إستراتيجي جديد للصينيين في إيران:

يبقى أهم بنود الاتفاقية المسرّبة أن إيران ستسمح للصين بالمشاركة في بناء موانئ، ومن بينها واحد في مدينة جاسك المطلّة على مضيق هرمز، الأمر الذي سيعطي الصينيين موقعًا إستراتيجيًا مهمًّا على المضيق الذي يمرّ من خلاله كميات مهولة من النفط العالمي، إضافةً إلى أنه ممر مهم للأسطول الأميركي الخامس المتمركز في المنطقة هناك.

تنويع الصين لمصادر النفط:

لكن السؤال الأهم هو لماذا يريد الصينيون النفط الإيراني التي ستتبع عملية شرائه مشاكل وتحديات رغم وسع سوق النفط العالمي وتعدد مصادره؟

إنّ الصين بطبيعة الأحوال بغنى عن النفط الإيراني وتستطيع شراء النفط من أي مورد آخر، لكن خوفها من احتمال انقلاب مورديها الآخرين عليها، وأغلبيتهم أقرب لأميركا منها، ما يبقيها متمسكة بإستراتيجية التنويع. وإذا نظرنا إلى مَن هم أكبر موردي النفط للصين خلال سنة 2020، تكون السعودية في المقدمة بـ84.92 مليون طن تقريبًا، وبعدها روسيا بـ83.57 مليون طن، وتليها العراق بـ60.12 مليون طن ورابعًا البرازيل بـ42.19 مليون طن.

وبالتالي، إن انخراط الصين في صراعات الشرق الأوسط وتحمّلها تبعات هذا التدخّل ومشاكله له سبب مهم وأكبر من مزاحمة أميركا، أي مصادر الطاقة لا سيّما وأن الصين من أهمّ مستوردي مصادر الطاقة في العالم. وبسبب تخوفها من أي عملية تهديد أو ابتزاز من الدول أو التكتلات المصدرة للنفط، قرّرت اعتماد أسلوب تنويع مصادر الواردات النفطية وإنشاء احتياطي إستراتيجي وبناء خطوط أنابيب دولية وتوثيق العلاقات مع الدول المنتجة للنفط. ومن هنا، استغلّت الصين الأزمة والخناق الاقتصادي والعقوبات التي تواجهها إيران، واستثمرتها لمصلحتها عبر هذه الاتفاقية وتعزيز العلاقات الاقتصادية والإستراتيجية بينهما.

إتفاقية وضعت الصين في مواجهة مباشرة مع أميركا ودول أخرى:

بعد إبرام هذه الاتفاقية ودخولها حيّز التنفيذ، تبقى العيون شاخصة بانتظار الرد الأميركي عليه، إذ اعتبر وزير خارجية إدارة بايدن أنطوني بلينكن، أن المواجهة مع الصين ومحاولة احتوائها هي من أبرز التحديات الإستراتيجية للولايات المتحدة الأميركية في القرن الواحد والعشرين، بالإضافة إلى محاولة الإدارة الأميركية الجديدة العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني عبر الضغط على الإيرانيين بالعقوبات التي فرضها الرئيس السابق ترامب، لا سيّما وأن هذا الملف من أبرز عناوين أجندة بايدن للسياسة الخارجية. لكن حتى اللحظة لم نرَ أي ردّ أميركي مباشر. وتجدر الإشارة إلى أن الاتفاقية وضعت الصين في موقف محرج أمام دول الخليج العربي التي تختلف إستراتيجيًا وسياسيًا بشكل كبير مع الإيراني، ومن مصلحته إضعافه وجرّه نحو التنازلات وكفّ يده عن منطقة الشرق الأوسط. فهل ستلعب هذه الدول خصوصًا المملكة العربية السعودية، ورقة النفط للضغط على الصينيين، وبالتالي تتحقق مخاوفهم التي سبق وذكرناها؟

 

تحقيق MAY 27, 2021
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد