رنا خوند: وجعنا لا شيء أمام وجع المفقودين في السجون السورية
وجهاً لوجه SEP 15, 2018

نقلاً عن نشرة "آفاق الشباب" العدد 81:

 

التاسعة والربع من صباح 15 ايلول 1992 اختطف بطرس خوند وبدأت مسيرة نضال من أجل جمهورية قوية تحافظ في أولوية مهماتها على مواطنيها، أحد كبار المساعدين للرئيس بشير الجميل، والقريب من رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، هاجموه وكبلوه وأخذوه ليبقى مصيره مجهولا حتى يومنا هذا... فماذا روت لنا ابنته الإعلامية رنا خوند بعد ستةٍ وعشرين عاماً على اختفائه؟
من صميم قلبها ومن التجربة الأليمة وأمام الأسئلة التي كانت تراود رنا خوند: هل سيعود يوما؟ أين هو؟ هل هو جائع؟ هل هو قيد التعذيب؟ هل هو بصحّة جيّدة بعد 26 سنة من الخطف؟ بهذه الروح الطيبة توجّهت رنا إلى أهالي المفقودين بالقول: «خلّيكن عم تتسلّحوا بالإيمان وخلّيكن عم بتطالبوا بعودتهم ما تزهقوا أبداً لأنو بالرغم من كل الكذب من قبل السلطات السورية يلي كل هالسنوات بيقولوا إنو ما عندن حدا، أثبتت الإيام إنو في كتير ناس طلعت من سجونهم وهيدا الشي بيعني انو النظام السوري كان عم بيكذب ونحنا أكيدين إنو بعد في ناس موجودة جوا وما رح نوقف نحكي وبدي ياهن ما يستسلموا أبداً، وجعنا قد ما كان كبير وجعنا منو شي، قدّام وجع أهالينا يلي موجودين بقلب السجون السورية عم يتوجعوا كل يوم وهني لي عايشين الظلم الأكبر، كرمال هيك نحنا ما رح نستسلم ولا ثانية كرمالن»...

«آخر مرة عرفنا شي عنّو من شي سنة ونصف» تسرد خوند التي لفتت إلى أنّ سجينًا خرج من السجون السورية قال إنه كان ووالدُها خوند في الزنزانة عينها في سجن تدمر قبل أن يتم القصف عليه ومن بعدها تفرقا وما عاد يعرف عنه شيئاً، وتم الإفراج عن السجين لاحقِا فيما مصير أبيها بقي مجهولاً... تضيف خوند بحسرة: هذه أقرب قصة عرفناها عن والدي وللأسف الإعلام غاب عنها، وفي المقابل ليس لدينا أي إثبات حسيّ على ما قاله لنا المُفْرَج عنه».

وردًّا على سؤال عن المفقودين، أسفت خوند لأن عددهم ليس بالرقم الصغير. ففي لبنان عائلة تعيش حالة شبيهة لحالتها إذ إنّ الوالد مخطوف أيضاً، ولكن أغلبية العيل خسرت أولادها بالأسر وهو العذاب الأكبر لدى الأمهات  كما لدى الأولاد والعائلة ككل، ومن لم يذق طعم ومرارة حال الخطف لا يعرف عمق الوجع والألم الذي يعيشه الأهالي...

وفي إطار تواصل الدولة مع النظام السوري، تشير رنا خوند: لو أن الدولة أرادت الإستفادة من علاقاتها التي تسمّى بالأخوية لكانت استفادت  منذ زمن كي تسترجع حرية لا بطرس خوند فقط، وإنما جميع المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية، ولكانت فعلت الكثير لاسترجاعهم، لا أعلم لماذا هناك تعتيم وخوف فهناك أناس غادرت لسوريا على أن تفتح ملف خوند لدى السلطات لكنّها عادت فارغة اليدين وتقول إن لا لبنانيين في سجون الأسد، هل هذه سياسة تخويف وترهيب؟!

وفي هذا السياق، تضيف خوند: «كنت دائما أقول ومازلت لا يمكنني أن أقبل بعلاقات ودية بين بلدي والدولة السورية قبل خروج جميع المعتقلين اللبنانيين من السجون السورية، فإذا ذهبت إلى أي دولة في العالم اختُطف لها مواطن، تجد أنّها توقف العلاقات مع الدولة الخاطفة وتفاوض لارجاع المخطوف فكيف هي الحال إذا لديها الآلاف هناك.. وهؤلاء هم أبناء الوطن ومن واجب الدولة اللبنانية حمايتهم بغض النظر عن العدد الكبير الموجود..

وعن قضية والدها تتابع خوند: أبي اختطف عام 1992 أي أنّ الحرب كانت قد انتهت وفرضت الدولة سيطرتها، ما يعني أنّه من واجبها التدخل مباشرة بالملف وأن تعيد لنا خوند، وليس علينا كأشخاص أن نجاهد بمفردنا من دون دعم دولتنا المفترض أن تكون الراعية لنا.

صورة بطرس خوند عائد إلى لبنان لا تفارق رنا، التي لا تزال حتى اليوم تحلم بعودته واستقباله وغمره، وفي كل مرة تراه بصورة  مختلفة، والأمل في قلبها أنه سيعود ولكنها تخاف من مرور الأيام وهو أصبح في 78 من عمره.

 تعبر رنا بنبرة صوتها الحنونة: «ما بعرف قديش بعد قادر انسان بعد 26 سنة.. شو بعد بدن منو لازم بقى يرجعوه ليقدر يعيش باقي سنوات عمرو معنا ونقدر نعوضلوا عن السنوات البشعة لي قضّاها، بس بعد عندي امل بالرغم من مرور السنوات... انشالله يرجع تنقدر نردله شوي من الفرحة لي ضيعها».

خوند توجهت إلى روح شهداء المقاومة اللبنانية، معتبرة أنّ لولاهم لما كنا  نحن موجودون في لبنان ولولا تضحياتهم لما كان لنا وطنٌ نرفع رأسنا به كمسيحيين، تحية إلى أهالي الشهداء و»الله يصبرن»، الإستشهاد شهادة وسام على صدورهم.
وللشهداء تقول خوند شكرًا على كل تضحياتهم، مشبهة والدها بطرس بالشهداء، هناك من خسر حياته، وهناك من سلبت حياته منه قسرًا، ليبقى العنوان واحدًا التضحية للبنان، للبنان الذي كنا نؤمن به والذي نريد أن نسترجع إيماننا به، لبنان الذي ضحّى من أجله شهداؤنا.

تحية تقدير وامتنان للدكتور سمير جعجع شددت خوند في توجيهها لمن وقف إلى جانب عائلتها كل هذه السنوات، كاشفة أن جعجع لم يتركهم يومًا ولا يزال، حتى لو لم يظهر الموضوع علنًا.. الحكيم أكثر من يعرف قيمة الوجع الذي نعيشه، أنا أعلم أن هناك أشياء تحصل «من تحت الطاولة» والحكيم يعمل على عودة بطرس خوند فهو لا ينساه ولن ينساه...

وجهاً لوجه SEP 15, 2018
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد