"نيرون" في لبنان
مساحة حرة OCT 04, 2020

موطن الأرز والشربين، بلد الشعر والملهمين أصبح مسرحًا للمهملين والمدمرين. كلّهم نيرون يا وطني الحبيب، صبغوا جبالك الطاهرة بالدماء البريئة. حنَوا سطوح القرميد ولطّخوا الوزال والياسمين ببصمات الحقد والكراهية وشرّدوا أبناءك وقتلوا أولادك.

جعلوا من شوارعك مرتعًا للسارقين والفاسدين. لم يمتهن الإنسان في أيّة بقعة في الأرض كما امتُهن وعُذّب في بلدي. نحن اللبنانيون نختنق كل يوم ولا نموت. نحن الشباب اللبناني بات طموحنا الهجرة. نحن نكبر وأحلامنا تكبر، وكل ما يكبر نفقده.

أنخبرهم عن حرقة قلب الأمهات اللواتي يبكين على أرواح أولادهم؟ أنخبرهم عن شعورنا بالغربة داخل وطننا؟ أنخبرهم أننا نترك قلوبنا في الوطن قبل مغادرته وأننا نشظى في كل ثانية داخل الرحلة الطويلة والشاقة وتتقطع أوصالنا عندما تترامى نظراتنا إلى أبعد مدى علّها تقطف باقة من قسمات وجه وطننا الحبيب. أنخبرهم أن التنوع في بلادنا أصبح نقمة؟ وأن حرب الطوائف غزت قلوبهم وعقولهم السوداء وأشعلت فيها نيران الحقد الحارقة.

لبنان يحكمه جاهلون يدّعون المعرفة، وفاسدون يدّعون الإصلاح، وتابعون يدّعون القيادة، وهاربون يدّعون البطولة وظالمون يدعون الأبوّة. نعيش في جهنم يحكمه أمثالهم. هم أسوأ من أعداء الوطن. هم ذئاب تتنكر بثياب الحمل الوديع ونحن الشعب كاشف الستار عن فسادهم وفجورهم وبطشهم ونرجسيتهم. نريد رؤوسهم الكبيرة والصغيرة؛ هم قتلوا لبنان وبكوا عليه. نعم، هم دجالون وخاسئون وآثمون، ويدرون ماذا يفعلون.

شاهدوكِ وأنتِ تحترقين يا بيروت كنيرون. لكن نيرون مات ولم تمت روما. هم حرقوا بيروت الحجر، لكن لم ولن يستطيعوا أن يحرقوا فكركِ وحياتكِ ونخوتك. بيروت، يا ملكة انحنى لعظمتها الشاطئ المتوسط، وبريق تاجكِ وصولجانكِ أغرى الطامعين، فسلّطوا عيونهم نحوك. وبتِّ حلماً يراودهم.

أيتها الملكة الصامدة أمام غدر الزمان، سلام من روحنا إليك، سلام إليك عند كل مطلع شمس وقمر، وسلام عند كل نسمة من عطرك الثمين. نحن شعبك الذي لم ولن يعرف الاستسلام يومًا نحن أبناء طائر الفينيق؛ كلما احترقنا نولد من جديد من تحت الرماد. سلمت كل ذرة من ترابك الحبيب. ودمت معقل الأبطال وبرج حرية يعانق الشهب. القيامة آتية ولو بعد حين يا أصحاب الضمائر المنكوبة.

مساحة حرة OCT 04, 2020
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد