"باقيين عوعد البشير"
مساحة حرة SEP 04, 2020

"لدخول الحرب ألف مدخل وألف زمن، ولكن ليس سوى مدخل واحد وزمن واحد لدخول السلام، إنّه الآن. هذه هي اللحظة التاريخية لبناء دولة الأمّة التي طالما حلمنا بها وهيّأنا لها الطريق بالعزم والدم، بالتضحيات والشهداء. إنها لحظة تحمّل في ذرّاتها روح كل شهيد مات في لحظة ما من أجل هذه اللحظة، وسأكون أمينًا لكلّ شهداء لبنان لأنهم كلّهم ماتوا من أجل لبنان ولأن من لا يكون أمينًا لمن ذهب، لن يكون أمينًا لمن بقي". بهذه الكلمات خاطب بشير الجميّل لبنان ومسؤوليه وشعبه يوم تلا خطاب القسم. وببعض الكلمات المقتضبة حوّل البشير الماضي إلى درس نتعلم منه، والحاضر إلى ورشة عمل نشيطة، والمستقبل إلى لبنان الحلم الجميل الذي نتوق للوصول إليه.

 

إنه بشير الجميل، حائز على شهادتين في العلوم السياسية والحقوق. أراد متابعة دروسه خارج لبنان لكن تلبية نداء الواجب الوطني أعادته إلى لبنان. ربّما لم يرد بشير الحرب، لكن يوم رأى المخاطر تحيط به من الغرباء الذين توغّلوا في الداخل اللبناني من جهة، وآخرين الطامعين من جهة، أُجبر على حمل السلاح ليحافظ على الأرض التي يعشقها.

 

"بشير مخوّل للعب دور كبير في المستقبل" هذا ما قاله عنه أحد الدبلوماسيين الأمريكيين. وبالفعل، لعب دورًا ذا أهمية عالية. أسّس "القوات اللبنانيّة" التي أمسكت زمام الدفاع عن لبنان. قد خاض هذا القائد المعارك إلى جانب رفاق السلاح، وسويًّا انتصروا في الكرنتينا والأشرفية وتل الزعتر وزحلة وغيرها من المعارك، ممّا حوّله إلى بطل وطنيّ في عيون البعض، وإلى عائق لا بدّ من التخلص منه بالنسبة إلى بعض الطامعين.

 

لبنان البشير ليس ذاته لبنان من دونه. فهو بحدّ ذاته ثورة فكرية تغييرية ترفض الخضوع والاستسلام. أراد "الوطن"، فجمع أبناءه حوله من كل الجهات، وحارب عسكريًا يوم الحاجة إلى الحرب، وصارع سياسيًا يوم فتح المجال في السياسة، وقال لنفسه ما قاله لرفاقه في زحلة: "ٳذا قرّرتم أن تبقوا، فاعلموا أن الأبطال يموتون ولا يستسلمون". وعلى الرغم من كل المخاطر والعوائق والظروف، إلا أن بشير بقي وأعلن في 24 تموز 1982 ترشّحه للانتخابات الرئاسية. أجمع الكلّ على بشير، وفي 23 آب أصبح الحلم حقيقة. وقبل أن يستلم الحكم، وكأن النظام فعّل ذاته تلقائيًا بمجرّد سماع إعلان بشير رئيسًا، سقط الجدار الوهمي الفاصل بين "بيروتين"، الشرقية والغربية، واستلم الجيش المناطق اللبنانية التي كانت محرّمة عليه ومن ضمنها المعسكرات الفلسطينية، وعادت الثياب المدنية وحصر اللباس العسكري والسلاح فقط بالعسكر، كما عاد النشاط الاقتصادي إلى الميناء والأسواق...

 

لكن... أولئك الذين أرعبهم الشاب المتمرّد على الظلم والخضوع، وهزمهم "الباش" المقاوم والقائد، شعروا بعظمة ما يمكن أن يفعله "فخامة الرئيس"، قرّروا أن يقتلوا الحلم ويقتلوا معه لبنان. فخطّطوا ونفذوا ووضعوا تلك العبوة التي انفجرت في قلب الوطن يوم ذاك أيلول المشؤوم.

 

والد مايا الشهيدة أصبح هو الشهيد، ولم يعد نديم ويمنى هما فقط اليتامى، بل صار لبنان يتيمًا... الأمهات الباكيات، ورفاق السلاح، والشيوخ والأطفال... فيا قائد، لك أقول: ما دام النبض حيًّا فينا، للحلم مكان حتمًا وسنحققه. أنت فينا مثل بيروت، كلما سقطت مرة، نبنيها ألف مرة. فبيروت في قلوبنا تحيا، ومثلها، "بشير حيّ فينا" ونحنا ع الوعد وبلبنان باقيين.

مساحة حرة SEP 04, 2020
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد