٣٩ عاماً على اغتيال رئيس جمهورية لبنان بشير الجميّل، وما زال لبنان يدور في دوامة البؤس الفقر والفراغ. يعيش اللبناني اليوم في عهد أقلّ ما يُقال عنه أنه فشِل فشلاً ذريعاً في الحفاظ على الحد الأدنى من حقوق المواطن؛ فكيف لهذا المواطن الذي عايش عهد بشير الجميّل ألّا يترحّم كل يوم على هذا العهد؟
مقارنة بسيطة بين واقعنا المرير وبين ثورة الـ٢١ يوماً تروي لنا الكثير.
٢٣ آب لم يكن تاريخاً عادياً في وجدان اللبنانيين. إذ في ذلك اليوم من العام ١٩٨٢، تحقق الحلم بعد انتخاب الشيخ بشير رئيساً للجمهورية اللبنانية. التغيير الذي وعد به الكثيرين لم يعد حبراً على ورق. منذ اللحظة الأولى تأهّبت كافة إدارات الدولة وعاد الموظفون إلى عملهم والتزموا بدوامتهم "عالساعة". لا تأخيراً بعد اليوم، ولا رشوة، ولا فساداً، للبنان رئيس.
في يومه الأول، أطلّ الرئيس وأطلق مرحلة جديدة كادت أن تبصر النور في تاريخ لبنان. خاطب الجميع ومدّ يده لكل أصدقاء لبنان في الخارج لتمهيد عودة لبنان إلى مكانته الدولية. أمّا اليوم فرئيسنا شاهد على اختطاف القرار وجرّ لبنان بمحاور أدّت إلى عزله عن المجتمع الدولي. لم يتأخّر بشير في إثبات أنّه الشخص المنشود حينها وقام باستقبال وزيارة أبرز الشخصيات السياسيةوأعرب عن تمنيّات عديدة.
في اليوم الثالث توجّه الرئيس المنتخب بشير الجميّل إلى الرئيس كميل شمعون بشكر كبير للسنوات الماضية التي أحرز فيها نصراً كبيراً، وأخذ المبادرة طالباً منه دعوة نجله داني للعودة إلى لبنان لإكمال هذا النصر وإنجاح العهد، كما أكّد أن الانتصار هو ثمرة تضامن الجميع، وليس ملك شخص أو حزب واحد. لكنّ اليوم ومنذ وصول الرئيس عون إلى سدة الرئاسة، وتياره السياسي لم يوقف حملته على كل الأحزاب السيادية التي ساهمت في وصوله ومكّن حلفه مع من أخذ دولته رهينة صراعات إقليمية لا علاقة للبنان بها.
في اليوم الرابع استقبل الرئيس المنتخب بشير الجميّل وفداً أميركياً برئاسة فيليب حبيب، داعياً إلى أهمية توطيد العلاقات مع الخارج لمساعدة لبنان إلى الوقوف مجدداً وإعادة تشكيل فرق من الجيش اللبناني والقوى الأمن اللبنانية للاطمئنان على سلامة لبنان. وناشد اللبنانيين إلى الإتحاد وعدم الاستسلام، معتبراً أنّ إذا لم نساعد أنفسنا فلا أحد سيساعدنا.
كما التقى في اليوم السادس بالنائب ألبير مخيبر، لتشكّره على أنه البرهان الوحيد للتأكد من أن الانتخابات أجرِيَت بحرية تامة وكانت انتخابات ديمقراطية، رغم كل الصعوبات. وفي اليوم السابع، التقى بشير بمصابي الحرب في بيت شباب ممتناً لهم على تضحياتهم من أجل هذا الوطن وتقديرهم على عدم فقدان إيمانهم في وجه الصعوبات التي واجهوها، وأقدم بشكر كبير إلى جميع من ضحّى لأجل هذا الوطن ولكل مصاب حرب. أما رئيسنا اليوم يرفض حتى استقبال أهالي ضحايا تفجير بيروت.
وفي اليوم التاسع، ترأس اجتماع عمل في القصر الجمهوري حضره فريق العمل اللبناني والأميركي لوضع خطّة عمل للحفاظ على لبنان. أراد بشير حلّ كافة الميليشيات ورفض أي ظهور مسلّح على كافة الأراضي اللبنانية، وطلب من الجيش اللبناني استلام زمام الأمور. كانت السيادة اللبنانية سيّد الموقف!
لبنان ينهض والحلم يتحقق حتى أتى اليوم الأسود. ذهب الرئيس المنتخب ظهراً إلى دير راهبات الصليب حيث تخدم عمته الراهبة أرزة الجميّل وتناول الغداء مع الحضور. بعد الظهر ولدى عودته، زار والدة زوجته صولانج في مستشفى الجعيتاوي، ثمّ توجّه إلى مكتب حزب الكتائب اللبنانية في محيط ساحة ساسين، ليعقد اجتماعاً سياسياً مع رفاقه. الساعة الرابعة دوى انفجار ضخم أبكى العاصمة بيروت، ومن بعدها أبكى لبنان!
فتحت أبواب السماء بشير شهيدًا ومعه 21 من رفاقه.
غاب بشير ولم نغب. فكان أول من شقّ طريق الجمهورية القوية، وفي اغتياله تأخّر الحلم لكنه لم يمت. بقيَ حُلم بشير في نضالنا اليومي، وبقيت صرخته في ذهننا، وبقيت ثورته في ثورتنا. بشير حيّ فينا.