24 نيسان 1914، كانت الفاجعة الكبرى، بعد سنين من الكر والفر، قررت السلطنة العثمانية وضع أكبر بقعة سوداء في سجلها، ألا وهي المجزرة بحق الشعب الأرمني، ملايين قتلوا، نساء صلبن عاريات، وتحولت أرمينيا الى عرس شهادة مرعب لم يشهده التاريخ، لن نسأل عن الأسباب، فهي معروفة، هي ذات الأسباب التي دفعت السلطنة لاضطهاد مسيحيي لبنان وتجويعهم، والى قتل ملايين السريان واليونانيين، وطرد المسيحيين الأتراك من البلاد، فلو بحثنا بالأسباب ، فأقل ما يقال عنها أنها عنصرية وطائفية بامتياز، ولا يرضاها عقل ولا ناموس..
بحثنا هو من سيعوض عن ملايين المطرودين من بلادهم بدون ذنب ، من سيعوض عن ألاف الأطفال الأرمن وغيرهم الذين خسروا عائلاتهم، والذين فقدوا في الصحراء هربا من الأتراك؟ من سيعوض على مشهد النساء المصلوبين عراة لتحقيرهن؟ من سيعوض عن مشاهد الأطفال الذين سلخ لحمهم ورميوا هياكل عظمية؟ من سيعوض عن مئة وثلاث سنوات من الغياب عن الوطن الأم؟
ان الجواب يبقى صعبا، في ظل عدم اعتراف تركيا بالمجزرة، واعتبارها "حرب دفاعية"، وفي ظل احتلالها جبال "الأرارات" التابعة لأرمينيا ورفضها التنازل عنها... فهل سنرى تحركات من المجتمع الدولي للضغط على تركيا للتعويض؟ وكما هو معلوم كان شرط اعترافها بالمجزرة والتعويض جوهري لقبولها في الاتحاد الأوروبي عندما طالبت بانضمامها اليه، وهي رفضت الشرط، فهل من ضمير دولي يصعد خطواته بهذا الخصوص؟ لا بد من ذلك فتركيا الجديدة لا تري أي اهتداء عن أعمال السلطنة، ولا تزال لا تحترم الأقليات عندها ناهيك عن احتلالها أراض تابعة لأرمينيا واليونان وقبرص وبلغاريا.
بعد اكثر من مئة سنة على المجزرة، نرى الأرمن منتشرين قي كل أرجاء العالم ، ينشرون الحضارة بتمسكهم بجذورهم، يتكلمون لغتهم باتقان، مسالمين، أوفياء لأوطانهم الثانية ،صناعيين محترفين، فنانين وتجار امتازوا على غيرهم من الشعوب، ما دفع الرئيس كميل شمعون الى تجنيسهم في بلدنا ، ولكن يبقى بالنسبة لهم حلم العودة كتعويض لهم لما شهده أجدادهم ، وتبقى جبال الأرارات محتلة ويقتضي تحريرها ، وتبقى رائحة تراب الوطن الأم هي الألذ ، فهل سيستجيب القدر؟