مزارعو التفاح في أزمة
تحقيق DEC 26, 2017

تعتبر زراعة التفاح من أهمّ  الزراعات المعتمدة في القرى الجبليّة اللبنانيّة، فقد توارث عليها المزارعون منذ الثلاثينيّات الى اليوم لتصبح عنصر اساسيّ في القطاع الزراعي اللبنانيّ.
ولكن في السنوات الأخيرة تتعرّض زراعة التفاح لمشاكل عدّة خاصّةً بعد اندلاع الحروب في البلدان المجاورة التي كانت تشكّل اسواق لتصريف انتاج التفاح.

زراعة التفاح بين الامس واليوم
أوّل من عرف زراعة التفاح في لبنان هم اهالي بكفيّا في الثلاثينيّات على يد موريس الجميّل الذي عمد على قطع اشجار التوت لاستبدالها بشجر التفاح، بعدما كان المزارعين يعانون من مشكلة في تصريف انتاج التوت بسبب تراجع صناعة الحرير آنذاك.
استطاع الجميّل بذلك ان يعيد النشاط للقطاع الزراعي في بلدته بخلق بديلاً زراعيّاً يستطيع المزارعون من خلاله تأمين لقمة عيشهم، فعندما نجحت خطوته زاد اقبال اهالي بكفيا والبلدات المجاورة الى زرع شجر التفاح.

طبيعة لبنان الجبليّة ساهمت في نجاح زراعة التفاح في المناطق المرتفعة، فشجرة التفاح تعطي ثمرة لذيذة وسط حرارة منخفضة ، لذا ازداد انتشار هذه الزراعة في عدّة مناطق لبنانيّة  من اعالي المتن الى القرى البقاعيّة والجبل اللبنانيّ الى ضيع جزّين الجنوبيّة لنصل الى قرى الشمال ، فيقال انّ انتاج لبنان من التفاح وصل في السبعينات  الى 400 الف صندوق سنويّاًّ.


 

زراعة التفاح في السنوات العشرة الاخيرة في انحدار كبير
أمّا اليوم  بعدما اصبحت شجرة التفاح جزء كبير من القطاع الزراعي وبعدما ورثها المزارع اللبناني عن اجداده ،نراه يصارع وحده في أزمة مصيريّة تكمن في تصريف انتاجه، ففي السنوات الأخيرة لا يعادل انتاج التفاح سنة واحدة من انتاج السبعينيّات، فقرانا بمشكلة حقيقيّة وفعليّة خاصّة تلك القرى التي تعتمد على زراعة التفاح كمردود اقتصاديّ وحيد فهي الآن تعيش ازمة اقتصادية فعليّة وهنا نخصّ بالذكر بلداتنا الشماليّة: حصرون، بشرّي، بزعون، بقاعكفرا ...  وكل بلدة لبنانيّة اخرى يعتمد اكبر عدد من سكّانها على بساتين التفاح لتأمين لقمة عيشهم وحاجات عائلاتهم اليوميّة. 

الدولة تتجه خطوات خجولة تجاه المزارع 
أمّا الدولة اللبنانيّة، غفلت عشر سنوات عن مزارع التفاح معانياً اعباء اقتصاديّة كثيرة ومصاعب في تصريف انتاجه لتستفيق من بعدها من سباتها العميق متّخذةً خطوة  بصرف 40 مليار ليرة لبنانيّة من موازنتها عام 2016 كمبلغ تعويضيّ لمزارعي التفاح، ولكن للاسف الى عامنا هذا لم يحصّل المزارعون سوى 20 مليار اي ما يساوي نصف القيمة .
"طيّب انو الدولة ما بتعوّض فهمنا! بس ليش بتستورد التفاح من برّا ونحنا تفاحاتنا مكدسة من سنة لسنة" هذا ما قاله المزارع يوسف فخري عندما قمنا بزيارته على ارضه في موسم القطاف،يوسف الذي يملك بساتين تفاح في بلدة بشري، حاله كالكثيرين من مزارعي البلدة يعتمدون على التفاح كمردود اقتصاديّ وحيد، شرح لنا عن ما يواجهه من صعوبة في تصريف الانتاج وتدنّي اسعار التفاح لدرجة انّ المزارع يجد نفسه مضطّرّاً  على البيع بسعر منخفض لا يغطّي تكاليف رشّ الاسمدة ،الريّ والقطاف والّا يذهب بانتاجه الى التلف.
"السنة السعر احسن من اللي قبلا وبردو بعدو رخيص ، بس المشكلة الكبيرة السنة تكلّفنا زيادة عالرّش واشترينا سمّ جديد بيقتل دبانّة بتسوّس التفاحة اسما دبّانة الشرق الاوسط وما استفدنا" موضحاً انّ نسبة المحصول تراجع 20%  بسبب هذه الذبابة "الشرق الأوسط" التي تقضي على نوع من التفاح يسمّى بالgolden وهو لا يثمر الّا في بلدان الشرق الأوسط ،فبالنسبة لمحصول فخري هناك تراجع من 8000 صندوق تفاح الموسم الماضي الى 6000 هذا الموسم.
 


ذبابة الشرق الاوسط 1

 

بيع الانتاج بسعر منخفض والّا عدم تصريفه
 سعر صندوق التفاح ارتفع عن العام الماضي ولكن تبقى العقدة الكبيرة في تصريف الانتاج، السنة الماضية تراوح السعر بين 5 و 8 الاف ليرة وهناك قسم من المحصول في بشرّي لا يزال في البرّادات، واليوم بحسب معلومات يتناقلها المزارعون فيما بينهم اخذوها من تقول أنّ الأسواق الاماراتيّة لن تستورد تفاحاً لبنانيّاً وانّ ما من حلّ سوى ان تنجح مساعي نائبي جبّة بشرّي مع السوق الاوروبي لتصريف التفاح.

مساعي محليّة لتصريف الانتاج
اتّحاد بلديّات بشرّي ونائبيّ الجبّة في عمل مستمرّ لايجاد سوق تصريف ،حتّى هناك مساعي فرديّة قام بها البعض من صاحبي الارض كانشاء معمل عصير تفاح في بشري سمّي ب "سيدرانا" ومعمل اخر لخل التفاح ايضاً داخل بلدة بشري، كما انّ بعضهم سعي الى بيع صناديق التفاح مباشرة لمحلّات تجاريّة كبيرة. اضافةً الى مساعي بلديّة البلدة بالتعاون مع حزب القوات اللبنانيّة لبيع التفاح الى منشآت خاصّة كمؤسسة طيران الشرق الاوسط التي ممكن ان تقدّم على متن طائراتها منتوجات التفاح.
كما وأنّ مجلس ادارة بلديّة بشرّي بالتعاون مع خليّة طلّاب القوّات اللبنانيّة قام بمبادرة تجاه عنصر الشباب البشرّاني لتحفيزه على قطف التفاح وتقليص اليد العاملة السوريّة، بانشاء مكتب يُعنى بتأمين العدد الكافي من الشباب لكلّ صاحب ارضٍ وفقاً لحاجاته ، وَوُضع سعراً لأجار العامل السوري في موسم القطاف وحدّد نهار العمل من الساعة السابعة صباحاً وحتّى الثانية من بعد الظهر على ان يتقاضى 20 الف ليرة يوميّاًّ وكل ساعة اضافيّة تُحسب 4 الاف ليرة. 
امّا العامل البشرّانيّ الذي يقوم بتسجيل اسمه في المكتب يتقاضى 25 الف ليرة يوميّاً تغطّي البلديّة من هذا الأجر خمسة الاف ليرة.

 


منتوجات معمل عصير التفاح أ‌
 

تبقى المساعي الداخليّة غير كافية حتى لو ساهمت في تخفيف الانتاج المكدّس ، ولكن المزارع  الذي ينتظر ان يبيع ما حصّله من موسمه لكي يؤمّن حاجات عائلته ومتطلّبات الحياة اليوميّة سيضطر ان يبيع ارضه ورزقه ليجد مردوداً ماديّاً لأنّ رزقه يبقى في البرّادات.
حتى القرى والبلدات التي تعتمد على زراعة التفاح اليوم تعيش ركوداً اقتصاديّاً فعليّاً ، والدولة "يا غافل الك الله" لا تسعى الى اقامة مشاريع زراعية لتصريف انتاج التفاح ولا تعوّض على المزارعين خسائرهم، ولا ندري ان كانت تعلم أنّ هناك وجود ما يسمّى بزراعة التفاح في لبنان

تحقيق DEC 26, 2017
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد