"في ١٣ نيسان لم تمت الشّجاعة فينا، بل متنا بشجاعة" هكذا وصف الشّيخ بشير الجميل بداية الحرب المأساوية التي أنزلت كل أحقادها على اللّبنانيين دون سواء. إنّها فعلًا كانت حرب بلا رحمة، أغرقت لبنان بالدّماء والدّمار والموت، مخلّفةً وراءها آلاف القتلى والجرحى والمشرّدين والأرامل والأيتام. لكنّها للأسف كانت متوقّعة! أحداث تلو أحداث ومواقف تلو مواقف أدّت إلى إنفجار الرأي العام في لبنان. فكأنّ مصير هذا الشعب المسكين هو التقسيم ولا غيره. فمِن نظام القائممقامية في العام ١٨٤٣ إلى نظام المتصرفيّة عام ١٨٦٠ إلى "شرقيّة وغربيّة" عام ١٩٧٥.
إنّ اللبنانيين لم يتفّقوا على شيء سوى على دستور ١٩٢٦ والإستقلال والميثاق الوطني عام ١٩٤٣ الذي اتُفقَ من خلاله على تخلّي المسيحيّين عن الحماية الأجنبية في مقابل تخلّي المسلمين عن المطالبة بضمّ لبنان إلى سوريا. لكن سرعان ما انقلب عليه اللّبنانيين مع مطالبة المسلمين المستمرّة بضمّ لبنان بالجمهوريّة العربية المتحدة فكانت ثورة ١٩٥٨.
بضع سنوات فقط على تلك الثورة حتى انقسم اللبنانيون مرّة أخرى بين مؤيّد لمنظمة التّحرير الفلسطينية وأكثريتهم من الأحزاب اليسارية التقدميّة وبين المعارض وأكثريتهم من الإحزاب اليمينيّة. ذلك التقسيم سرّع إشعال فتيلة الحرب وخصوصةً بعد إتفاق القاهرة وإضعاف الجيش، فاضطر اليمينيون على الإتكال على أنفسهم والتسلّح لمواجهة أي مشروع للتوطين.
إنّ عملية فردان عام ١٩٧٣ سبّبت إنقساماً أكبر بعد إتّهام المسيحييّن بالتواطؤ مع إسرائيل لقتل القادة الفلسطينيون الثّلاث. العد العكسي بدأ بخطواته الأخيرة. آذار ١٩٧٥، مقتل معروف سعد في صيدا ممّا زاد الطين بلّة وأكّد حصول الحرب بلا منازع.
كان يوم أحد ١٣ نيسان ١٩٧٥، كان حزب الكتائب بحضور رئيسه الشّيخ بيار الجميل يدشّن كنيسة سيدة الخلاص في عين الرمانة. لكن حدث ما كان غير متوقّع، فقد تحدّت سيارة من دون لوحات حشد المحتفلين وأطلق من بداخلها النار! قُتل القيادي الكتائبي جوزيف أبو عاصي وسُجّل أول شهيد للمقاومة اللبنانيّة في الحرب. لكن في ذات اليوم، باصٌ يقلّ فلسطينيين عائدين من إحتفال في مخيّم صبرا وشاتيلا إلى مخيّم تلّ الزعتر. وكالعادة، كان الباص غارقٌ بالمسلّحين الفلسطينيين، وأثناء مروره أمام الكنيسة نفسها، بشكلٍ إستفزازيّ جدًّا، أجبَرَ أهالي عين الرمانة على الردّ، فكانت حادثة البوسطة.
عندما دقّ الخطر في ١٣ نيسان ١٩٧٥، لبّى شباب وشابّات المقاومة اللبنانيّة النداء. فالقوات اللبنانية من قيادة الشيخ الرئيس بشير الجميل وصولًا إلى قيادة الدكتور سمير جعجع، قدّمت تضحيات تلو تضحيات وبطولاتٌ لا يمكن أن ينساها المرء، كما في الحرب كذلك في السلم، ف"القوات" لن يهدأ حتى إيصال لبنان إلى مرحلة الجمهورية القويّة.
فهل سيشبع لبنان من التقسيمات؟ من يدري؟ فممكن أنّنا في تقسيمٍ اليوم من دون أن نراه... لذا يجب علينا فقط أن نقول عن هذه المأساة: "تنذكر وما تنعاد"، ومن أحداث ١٣ نيسان علينا أخذ العبر وتجنب الأخطاء والتشرزم.