ها هو أسبوع الآلام يطلّ علينا، آلام من؟ إنها آلام سيدنا يسوع المسيح. نسمع تأوهاته في أذنينا، تأوهات تصدر مع كل جلدة، جلدات قاصية مزّقت جسده المقدّس، لقد كان مصدرها سوط قاس لا يرحم، لا يتعب، لا يشبع دماءً ... فأصبح صوت الوجع مسموعا، وجع الشعب اللبناني الذي عانى ولا يزل لليوم يعاني من آلام جلده على مذبح الوطن.
تأوهات دامت ساعات وساعات، تأوهات لا تنتهي تشبه مخاض المولدة قبل ساعات الفرج. رغم أن المسيح قد شرب الكأس المرّة وذاق الموت على الصليب ليمحو خطايانا منذ آلاف السنين إلا أننا لا نزال نجلده كل يوم، لا نزال نصلبه ألف مرّة في اليوم الواحد.
ها هو يهوذا الإسخريوطي، الذي أسلم يسوع لليهود طمعا منه بالمال، خجل مما فعله فشنق نفسه ... لكن يهوذا اللبناني الذي أسلم الشعب اللبناني، لا طمعا بالمال فقط إنما أيضا ليشحذ السلطة من أسياده، لم يخجل حتى الآن بما فعله ولن يخجل. لم يدرك بعد أن تسليم الشعب اللبناني لم ولن يجده نفعا، لم يعي بعد أن جلد اللبنانيين لم ينته إلى الآن، لم يتنبّه بعد أن الشعب اللبناني صُلِبَ لكنهم نسوا أن ينزلوه عن خشبة الصليب.
يهوذا الإسخريوطي شنق نفسه لكي لا يلومه أحد بسبب ما فعله، لكن للأسف يهوذا اللبناني لم يستح بعد، فهو يدخل دور العبادة مرتديا ثوب العفة، يجلس في صدر الكنائس حانيا رأسه، يستمع إلى عظات الآباء الأجلاء كأن شيئا لم يكن، ينحني خلال الكلام الجوهري، ويتقدم بكل ما في النفس من خبث لتناول جسد سيدنا يسوع المسيح المقدس. يا له من ممثل!! تنتهي الذبيحة الإلهية، يجول بنظره على الكاميرات المسلطة عليه، تقترب منه إحدى وسائل الإعلام فيعيّد اللبنانيين بكلمات جميلة متمنيا لهم دوام الأفراح والسعادة، على أساس أنه يوفّر لهم البحبوحة والسلام ليعيّدوا بفرح. يا لها من تمثيلية!!
يهوذا الإسخريوطي غاب عن نظر الناس ... إنما يهوذا اللبناني يعتلي شاشات التلفزة والمنابر كل يوم ليذكّرنا بوجوده؛ والمضحك المبكي هو عندما يبدأ بالمحاضرة في العفة يجعلك لوهلة تشعر أنه نائب المسيح على الأرض لا سمح الله. من أين لك يا يهوذا هذه العفة؟!
أسلم يسوع المسيح الروح عند الساعة التاسعة مساء فصرخ "إيلي إيلي لما شبقتني" أي "إلهي إلهي لماذا تركتني" ... ونحن نصرخ كل يوم: "إلهي إلهي لماذا تركتنا"؛ ألم يحن الوقت بعد لترحمنا؟ أم أن صليبنا لا أحد يستطيع حمله سوانا؟