ومن يتضامن مع الإنسانيَّة؟
الموقف NOV 17, 2015
خلال أربعة أيَّام، عاش العالم أجمع، ولا يزال، حالة هستيريَّة سببها انفجاري برج البراجنة في الضَّاحية الجنوبيَّة لبيروت ليل الخميس الماضي، والاعتداءات الإرهابيَّة في العاصمة الفرنسيَّة، باريس، ليل الجمعة الفائت. وها هي يد الإرهاب تتنقَّل بين سقوط الطَّائرة الرُّوسيَّة فوق سيناء المصريَّة، والتَّفجيرين الانتحاريين في برج البراجنة والهجوم الكبير في باريس. فالإرهاب يضرب أينما وطأت قدماه ويحصد آلاف الضَّحايا البريئة التِّي تدفع ثمن السِّياسات الفاشلة للدُّول الكبرى في محاربة الإرهاب.

انطلقت حملات التَّضامن ليل الخميس، وهذا ما يعتبر أمرًا طبيعيًّا نظراً لهول المشهد وصعوبته والحسِّ الوطنيّ، على الرُّغم من الأزمة السِّياسيَّة التِّي قسَّمت البلد عاموديًّا، ناهيك عن عدد الضَّحايا الكبير. لكن، وبعيدًا عن صورة الانفجار، لا بدَّ لنا من العودة إلى أساس المشكلة والتوقُّف قليلًا عن التحدُّث بلغة العاطفة. استُهدفت بيروت من قبل خليَّة إرهابية تابعة لـداعش، فحصدت الاعتداءات 43 قتيلاً و180 جريحاً، في حين أعلن وزير الدَّاخلية والبلديَّات أنَّ من المؤكَّد أنَّ هذه العمليَّة لن تكون الأخيرة في لبنان.

إذًا، هناك تهديد أمنيٌّ صريح وجدِّي. صحيح أنَّ هذا التَّهديد لطالما كان موجودًا خصوصًا بعد تدخُّل حزب الله في سوريا، لكنَّ التَّهديد هذه المرَّة أصعب بكثير من السَّابق. فأزمة رئاسة الجمهوريَّة مستمرَّة من دون أيِّ مخرج، تُضاف إليها أزمة النِّفايات والأزمات السِّياسيَّة الأخرى من تشريع الضَّرورة إلى إقرار القوانين الماليَّة وقانون استعادة الجنسيَّة والانتخابات، وصولاً إلى أزمة اللَّاجئين والتَّهديدات الأمنيَّة على الحدود، خصوصًا في بلدة عرسال. وعلى الرُّغم من كلِّ ذلك، لا يأبه حزب الله بما يحصل في الدَّاخل، وهو مستمرٌّ في التَّواجد في سوريا وجرِّ البلد بأكمله إلى الفوضى والخراب "لعيون بشَّار الأسد" الذِّي، بمعنى أو بآخر، قد أصبح خارج المعادلة السِّياسيَّة الدَّوليَّة لمنطقة الشَّرق الأوسط.

ومن الشِّعارات التِّي يطلقها حزب الله لتبرير وجوده في سوريا، أنَّه ذهب إلى هناك لمنع قدوم داعش إلى لبنان، لكنَّ المشهد الفعليّ على الأرض مخالفٌ تمامًا لذلك، إذ أصبحت داعش أقرب من أيِّ وقت مضى بسبب تواجد حزب الله في سوريا، وبسبب عدم فهم حلفاء الحزب في لبنان لخطورة المرحلة. فعليًّا، ليس بالأمن وحده يمكننا محاربة داعش، ولا حتَّى بتواجد حزب الله في سوريا. فنحن بحاجة لتحصين داخلنا من خلال انتخاب رئيس جديد للجمهوريَّة، وإجراء انتخابات نيابيَّة لعودة الحياة السِّياسيَّة الدِّيمقراطيَّة والطَّبيعيَّة، ليعود العمل بعدها على تنظيم الحدود من خلال عقد اتفاقيَّات دوليَّة والتَّحالف مع الدُّول الكبرى لمحاربة الإرهاب، بالإضافة إلى ضبط الحدود ومنع أي مسلَّح من الدُّخول أو الخروج، حتَّى ولو كان المسلَّح يرتدي الشَّارة الصَّفراء!

بكلِّ تأكيد نحن متضامنون مع أهلنا في الضَّاحية، ولكنَّنا نتضامن مع الدَّولة اللبنانيَّة أوَّلًا لأنَّها تُغتصب كلَّ يوم من أبنائها الذِّين قرَّروا رهن الشَّعب اللبنانيّ بأكمله لبشَّار الأسد وايران. نحن متضامنون مع أهلنا في الضَّاحية الجنوبيَّة لبيروت، لكنَّنا في الوقت عينه لسنا أبدًا متضامنين مع حزب الله وندعوه إلى الانسحاب حالًا من سوريا وتجنيب لبنان هذه الكأس المرَّة التِّي بدأت تتجرَّعها الدُّول الأوروبيَّة بدءً بفرنسا!
الموقف NOV 17, 2015
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد