وتحرر جبل سنجار
الموقف DEC 23, 2014
بعد أشهرٍ من الحصار الخانق، فك الأكراد حصار الدولة الإسلامية عن جبل سنجار، ليتنفس الازيديون الصعداء. إنجاز لافت للأكراد، والأهم من ذلك أن كوباني ما زالت صامدة رغم التفوق العددي لتنظيم الدولة. صحيحٌ أن ضربات التحالف ساهمت بشكلٍ كبير لكن المقاتلون هم من صنع الفارق على الأرض.

مئات من المؤمنين بأرضهم وحريتهم استطاعوا ايقاف تنظيماً أرعب المنطقة باكملها، تنظيمٌ احتل شمال العراق في ٢٤ ساعة. والأهم الأهم، أن الأكراد أسقطوا نهائياً مقولة تحالف الأقليات والإحتماء بالأنظمة الدكتاتورية للحفاظ على وجودهم.

إن مقاومتهم هذه ردت لنا الذكريات لما فعله ابطالنا منذ عام ١٩٧٥، عندما واجه الابطال من هو أكبر وأخطر من داعش، من دون الاحتماء بأحد فلم تؤازرهم أي ضربات تحالفٍ.

كانوا بضعة شبانٍ، حملوا السلاح وطردوا الاف الداعشيٍن من ارضنا، ومنعوا جيش سوري بكامل عتاده ودباباته من أخذ حيّ واحد في مناطقنا. طوال ١٥ عاماً، استبسل هؤلاء من أجل كل حبة ترابٍ،  ولم يبخلوا بنقطة دماءٍ من أجل بقائنا، واثقين بنصرهم ومؤمنين بأن الحرية تعلو فوق كل شيءٍ، فتركوا لنا أمانةً غالية جداً.

وللأسف، وبعد كل التضحيات، جاءنا من لم يكن يوماً حريصاً على الوجود المسيحي، ليرتهن ويرهن لبنان إلى النظام الأكثر دموية في التاريخ، بحجة حمايتنا من داعش. وكأنّ هذا النظام لم يقصفنا ويدمر مدننا ولم يتطاول على حريتنا طوال ٣٠ عاماً. جاءنا من يربط نفسه بمحور الإرهاب و يسهل في زمن السلم ما لم يحصل في زمن الحرب.

إن صمود الاكراد في كوباني هو أكبر دليل على أن قلةً مؤمنةً في حريتها وتاريخها ووجودها، قادرة على الصمود في وجه جحافل العالم كله. أولم نفعل نفس الشيء منذ أكثر من ٣٠ عاماً؟ لكنها عبرة جديدة لنا كي لا نخاف وان لا نطلب حماية أحدٍ، خصوصاً أننا لا نحتمي بمحورٍ جاهر يعتقد أن نفوذه تمتد من اليمن إلى بيروت.

صحيحٌ اننا أقليةً عددية في هذا الشرق، لكن وجودنا ثابت منذ بدء الزمان، حافظنا عليه بدمائنا، لم نحتاج يوماً إلى أحد، فرضنا وجودنا بانفتاحنا على الجميع ومددنا علاقات ندية مع الشرق والغرب. اننا اليوم موجودون بفضل كل هذه التضحيات، ومن يفكر بطريقة عددية سيبقى اقلية في وجوده. أما من يعتبر أن قضيته تمتد على مساحات الوطن ويدافع عن مصالح كل اللبنانيين، فلن يكون أقلية حتى بنظر "الأكثرية الدينية". 

في احد المرات قال أبينا غبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير اننا إذا خيرنا بين العيش المشترك والحرية، فسوف دائماً نختار الحرية. أما اليوم فإن خيرنا بين الحرية والحماية الوهمية على وجودنا، فأيضاً سوف نختار الحرية. عسى أن يكون بتحرر جبل سنجار، تحرر البعض من عقدة الأقلية، والبعض الأخر من الإنبطاح المخزي لأنظمة وتنظيمات مسلحة بعيدة كل البعد عن ديانتنا وحضارتنا وتاريخنا.
الموقف DEC 23, 2014
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد