واقع التعليم المهني في لبنان بين أسباب التراجع والحلول المستقبلية
تحقيق OCT 16, 2012
عندما قررنا أن ندخل إلى خفايا التعليم المهني والتقني في لبنان، أردنا أن نسبر غور كافة الزواريب العملية والنظرية لهذا المنحى التعليمي الذي قد يكون عبئا على الدولة أو ربما هو المنقذ الإقتصادي إلى حد ما.
حاولنا ونجحنا أن نلتقي بأفضل من يمكنه الإجابة على بعض من أسئلة تجول في خاطرنا لمعرفة ما أو من يعيق هذا التعليم في لبنان ونتبين حلولاً موجودة أو يُعمل على إيجادها.
إنه مدير عام التعليم المهني والتقني في لبنان الأستاذ أحمد دياب من مقر المديرية في الدكوانة.
ما هي أسباب تراجع التعليم المهني والتقني في لبنان؟
هذه المعلومة المتداولة يشوبها اللغط، فالواقع مغاير، ومعاهد التعليم المهني تنتشر في كافة الأراضي اللبنانيّة منها ما هو تابع للدولة ومنها ما يتبع للمدارس الخاصة. وفي نظرة شاملة لأعداد الطلاب الذين يلجؤون للتعليم المهني فهي بتزايد إجمالاً لكن في نظرةٍ أعمق نجد تراجعا في بعض الإختصاصات وخاصةً الصناعيّة والإلكترونيّة، ويقابله إقبال أوسع في الإختصاصات الأخرى (محاسبة، معلوماتية...)
عام ال 1996 كان العدد الإجمالي عشرة آلاف طالب في المدارس المهنيّة الرسميّة بينما اليوم يصل هذا العدد إلى الأربعين ألف طالب في المعاهد الرسميّة وحوالي الأربعين ألف في المعاهد الخاصة. مما يعني تطور ملحوظ في التعليم المهني ويتجه ما يقارب نصف هذا العدد نحو تعلم مهن سريعة المدة، دراستها لا تتخطى السنتين كحد أقصى.
وهذا التراجع سُجِّل في شهادة الإمتياز الفني TSلأسباب عديدة، منها نظام ال LMDالذي بموجبه أصبح الحصول على الإجازة بمدة ثلاث سنوات عوضاً عن أربعة وفي الوقت نفسه الإمتياز الفني ثلاث سنوات. هكذا يفضل الطالب أن يحصل على شهادة جامعيّة من جامعة خاصة، لذلك لم يعد يتوجه إلى الشهادة المهنيّة سوى الطلاب ذوي الدخل المحدود الذين ليس بوسعهم تحمل أعباء الأقساط الباهظة.

ماذا تفعلون كمديرية تعليم مهني وتقني لتطوير هذا القطاع التعليمي؟
والحل لهذه المشكلة أتى بإصدار المرسوم 8590 الذي بموجبه أصبح الحصول على شهادة الإمتياز الفني بسنتين بدل الثلاث سنوات.
شهادة ال LTسنة عوض السنتين مما يساوي عدد الدراسة في الجامعات حيث يصبح المجموع  ثلاث سنوات.
مما يقوي الإقبال على التعليم المهني: حيث تحصل على الشهادة في ثلاث سنوات دون أن يطر الطالب إلى الإنتقال إلى أماكن سكن جديدة. وإختصاصات الشهادة المهنية منتوعة ومتشعبة أكثر من الجامعة.
ومن ناحية أخرى فإن انتشار المعاهد المهنيّة في كافة الأراضي اللبنانيّة وكافة المناطق يؤمن العلم والشهادات لأبناء المناطق البعيدة عن العاصمة ويساهم نوعاً ما بردم الهوة الكبيرة بين المدن والقرى البعيدة، فهناك حوالي ال 150 مدرسة فنيّة رسميّة و200  مدرسة خاصة مما يؤمن إنتشاراً واسعاً بعكس الجامعات التي تتواجد فقط في مراكز المحافظات والعاصمة.
أما النقطة الأهم في المرسوم هي أنه فتح أبواب الجامعات أمام الطلاب الذين حصلوا على شهادة ال TSبمعدل 12/20 وما فوق فأصبح بإستطاعة الطالب أن يكمل دراسته في أي جامعة يريد، فيعدلون له 50% من المواد ولا يبقى لديه سوى سنة واحدة. بعدها يمكنه أن يحصل على الدكتوراه، أما طلاب الهندسة فيعدّل لهم 25% وذلك لأن دراسة الهندسة تتطلب خمس سنوات، فهكذا سيتشجع الطلاب على الإلتحاق بالتعليم المهني، ويصبح لديهم الحافز للدراسة ورفع معدلاتهم.
ولهذا المرسوم مفعول رجعي يطال كل من حصل على شهادة الإمتياز الفني بمعدل 12/20 في السنوات السابقة. أما الطالب الذي لم يحصل على هذا المعدل فهو مجبر على أن يكمل تعليمه المهني والحصول على ال LTولكن هذه الشهادة لا تخوله الدخول إلى الجامعة، فالنص واضح والهدف من هذا الشرط هو رفع المستوى العلمي وتوجيه الطلاب نحو التفوق.
كما أن في المرسوم أيضا نقطة إيجابية تخول الطلاب دخول الجامعة لدراسة أي إختصاص يريدون حتى ولو كان مختلف عن إختصاص شهادة ال TS. بينما الطالب الذي حصل فقط على ال BT لا يمكن له دخول الجامعة إلا بإختصاصه.
وبالتالي حامل ال TS وبأي معدل كان يمكنه أن يدخل الجامعة اللبنانيّة لدراسة مختلف الإختصاصات ما عدا "الحقوق". مما سيضع شهادة الإمتياز الفني بالخانة نفسها مع شهادة البكالوريّة اللبنانيّة.

كيف تشجعون الطلاب للإنضمام إلى معاهدكم في ظل وجود الكم الهائل من الجامعات بشروط أفضل؟
رغم وجود العديد من الجامعات ورغم الإختلاف في مستواها وأدائها ونوعية الشهادة التي تقدمها، فضمانة  الطالب في التعليم المهني هي الشهادة التي يحصل عليها بعد خوضه للإمتحانات الرسميّة التي تنظمها المديريّة العامة للتعليم المهني، فتكون شهادته رسميّة 100% حيث ينجح في هذا الإمتحان حوالي ال35 % من الطلاب فيكون بالتالي مستوى المتخرجين مرتفع، وهذا ما يميز الشهادة المهنية عن الشهادة التي تمنح من الجامعة لأن مصدر الإمتحانات معروف.
والقانون رقم 478 الصادر عام 2000 أعطى الأفضليّة لطلاب التعليم المهني للدخول إلى وظائف الدولة. وبحسب أرقام مجلس الخدمة المدنيّة الذي يتولى أمور الإمتحانات والتوظيف في الدولة، هناك ما يقارب ال60 % من الطلاب الناجحين في مباريات الدخول إلى وظائف الدولة إنما هم من طلاب التعليم المهني. من هنا قد قمنا بإصدار مرسوم يقضي بإعطاء منح دراسيّة شهريّة تصل قيمتها إلى 8 ملاين دولار ( المنحة الشهرية 200 ألف ليرة ) على ثلاث سنوات لالفي طالب يختارون للإختصاصات الصناعيّة وفق حاجات مدنهم وقراهم وبمعدل 12/20 من كل شهر، مما سيقوي التوجه نحو هذا النوع من التعليم، ويخلق نوعا من التوازن المناطقي، ويحد بطريقة غير مباشرة من البطالة وحالات الإنحراف المجتمعي.
هل يمكن الكلام على التعليم المهني في لبنان مع عدم تقبل المجتمع لهذه الشهادة واعتبارها دون المستوى؟
في لبنان لدينا نظرة عامة مجحفة بحق التعليم المهني وهي أنه "مأوى الفاشلين" ونعمل الآن لتغيير هذه النظرة ومحوها من ثقافة مجتمعنا، وتجدر الإشارة إلى أن في الدول الكبرى ونعطي إلمانيا مثلاً على ذلك 80% من طلابها هم طلاب التعليم المهني.
ولا يمكن أن ننسى أن في الفترة التي سبقت التسعين كانت إمتحانات الدخول إلى التعليم المهني صعبة جداً ولا يدخلها سوى المتفوقين، لكن بعد التسعين أصدر أحد الوزراء مرسوماً أعطى فيه الحق (لفترة مؤقته) لكل من يرسب في الشهادة المتوسطة أن يتابع دراسته سنة أولى BT ولكن بعد 22 عاماً من تطبيق هذا المرسوم "المؤقت" ترسخت ثقافة "مأوى الفاشلين" في مجتمعنا. وتجدر الإشارة إلى أن المشكلة الكبرى في ثقافة المجتمع اللبناني ليست فقط في النظرة الدونيّة للتعليم المهني، بل أيضاً بإتجاه سوق العمل نحو القطاع الخدماتي غافلين عن أهميّة القطاع الصناعي وعن الدور الذي يلعبه في تقوية سوق العمل وبالتالي الإقتصاد. من هنا أهمية أن تقوم الدولة بسن القوانين اللازمة لربط التوجيه التعليمي وخاصةً المهني بسوق العمل.

إشرح لنا من فضلك ماهية المنهج الجديد وكيفية تطبيقه؟
هذا المرسوم صدر في تاريخ 2/8/2012 وقد صدرت أيضاً آليّة التطبيق التي ستكون جدّ صارمة وشكلت لجان خاصة من حوالي 500 مدرّس لإعادة صياغة البرامج ومحتواها كي تتطابق مع عدد سنوات الدراسة الجديدة، حيث ستلغى مواد الحشو وسيلغى التكرار... من هذا المنطلق بدأت حملة تغير هذا الواقع، ولكن لا يمكن أن نحصل على الثقافة الجديدة في غضون أيام أو أشهر فهذا يتطلب بعض الوقت.
والآن قد بدأت المرحلة الإنتقاليّة، فكل راسب في الشهادة المتوسطة يحقّ له التسجيل سنة أول  BT كما يحق للتلميذ الناجح بذلك، ولكن مع نهاية العام الدراسي وخوض الإمتحانات في المعاهد والمدارس فإن نجح الطالب الذي إنتقل إلى التعليم المهني من المرحلة المتوسطة بنجاح ينتقل تلقائياً إلى السنة الثانيّة  BT أما الطالب الراسب بالشهادة المتوسطة يخضع لإمتحان بالمواد الأساسيّة (مواد الإختصاص) في الإختصاص الذي إختاره من تنظيم المديريّة العامة، وإن إجتازه بنجاح إنتقل إلى السنة الثانيّة وفي حال رسوبه يتجه إلى ما يسمى "الشهادة التحضيريّة التأهيليّة"، وهي شهادة مستحدثة تهدف إلى رفع مستوى الطالب بإختصاصه، وفي حال الرسوب بهذه الشهادة يصبح لدى الطالب خياران، الأول إعادة عامه الدراسي، أما الثاني فهو التوجه نحو التعليم المزدوج (هو نمط تعليم ألماني) الذي  يرتكز على القسم التطبيقي بنسبة 50%. وهذه الشهادة تصبح قيد التنفيذ إبتداءً من العام الدراسي 2013-2014.
ونحن الآن في صدد تحضير إعلان مصور عن التعليم المهني تتكفل به واحدة من أهم شركات الإعلانات مما سيلفت الأنظار نحو التعليم المهني وهو خطوة أولى في مرحلة التغيير.
هل تصبح شهادة LT 1 مؤهلة لدخول النقابة خاصة في اختصاص المساحة؟
إختصاص المساحة، هو الإختصاص الوحيد الذي كان يحق لطلابه الدخول إلى النقابة حيث كانت شهادة الLT سنتين، وبعد  صدور هذا المرسوم بدأ العمل على تعديل القانون المتعلق بإختصاص المساحة فحضر مشروع قانون: يحقق لكل طالب مزاولة المهنة متى حصل على شهادة المساحة بشرط سنتين خبرة كحد أدنى.

ما هي أسباب نقل تسلم الشهادات إلى بئر حسن؟
أما بالنسبة إلى نقل مركز تسلم الشهادات من مبنى المديريّة العامة في الدكوانة إلى مركز المحافظات، فذلك لتسهيل عمليّة تسلم الطلاب لشهاداتهم، خلق نوع من اللاحصريّة الإدارية ولتسيير العمل داخل دوائر تمثل المناطق إسوة بالشهادات الرسميّة الأخرى. فدائرة التعليم المهني في الشمال مركزها طرابلس، في البقاع مركزها زحلة، في جبل لبنان مركزها بئر حسن، وفي الجنوب مركزها صيدا...
هكذا، وبعد أن حاورنا الأستاذ أحمد دياب، لاحظنا مرور هذا القطاع التعليمي بسنوات من المشاكل، لكنه اليوم وبالعمل الدؤوب يعود إلى السكة الصحيحة مع كل الإصلاحات التي تنتابه، والذي بفضل فريق العمل سوف يحوز على جانب كبير في المجتمع خاصة في مجال الصناعة، حيث أن لبنان بحاجة ماسة لليد العاملة المتخصصة صناعياً، كما على صعيد التمريض فالحاجة كبيرة للممرضات والممرضين لتغطية العجز الحاصل في المستشفيات.
ما مضى قد مضى، وما علينا سوى الإنتظار ومراقبة تطبيق القوانين والمراسيم الجديدة لتحديد ما إذا كان التعليم المهني والتقني سيشهد الإنتفاضة المرجوّة فيحقق النجاح، أم سيبقى على سابق عهده ملاذا آمنا لغير المجتهدين أم للمتأخرين أكاديمياً.
إرتحنا لكلامك يا سعادة المدير العام، ونتمنى التوفيق لك ولكل من يساعدك على تنفيذ الخطة الخمسية الجديدة.
تحقيق OCT 16, 2012
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد