نيسان بين الذكرى والنسيان
الموقف APR 15, 2013
 لم تكن الحرب لعبةً، لم تكن الحرب نزوة، لم تكن الحرب وسيلة، كانت الحرب غاية.

غاية سعى إليها أعداء لبنان المتربّصين على حدوده المتأهّبين دوماً للانقضاض عليه وإعادته رغماً عن التاريخ والجغرافيا ليكون إحدى المحافظات الساحليّة لبلاد الشام.

لم تنفجر الحرب في الثالث عشر من نيسان، بل انفجرت يوم قررت الدولة اللبنانيّة غضّ الطرف عن ممارسات منظّمة التحرير الفلسطينيّة والسماح لها بشنّ المعارك على الأراضي المحتلّة عبر جنوب لبنان. أصبح لبنان كلّه مسخّراً لخدمة القضيّة الفلسطينيّة فمرّت طريق القدس على جثث النساء والأطفال في الدامور والعيشيّة وفي كلّ منطقة وطأتها أقدام الفدائيين.

لم يكن حمل السلاح لدى المسيحيين خياراً، فتحت وطأة المجازر والتهجير لا بدّ من حماية الأرض والعرض من الانتهاكات المتمادية لجيش فتحلاند في ظلّ تقاعس الدولة وغياب الجيش وتخلّي الشرعيّة اللبنانيّة طوعاً عن دورها.

بين نيسان ال ٧٥ و نيسان ٢٠١٣ أوجه شبه عدّة لا تبدأ مع فرض المحرّمات على الجيش وقوى الأمن ولا تنتهي مع استباحة مساحات الوطن لأنشطة عسكريّةٍ لحزب ولاية الفقيه متحجّجاً بضرورات المقاومة. امبراطوريّة المخدّرات والسلاح والخطف على الهويّة قائمة في البقاع، معسكرات التهريب في قوسايا، البؤر الأمنيّة في الشمال والمخيّمات، غياب الاعتدال وبروز شبح التطرّف الديني الذي لا يبدأ بالجهاد لإقامة دولة إسلاميّة بعد استيراد الثورة الخمينيّة إلى لبنان ولا تنتهي باندفاع سنّي ملحوظ من كفّة الاعتدال إلى التكفير والتطرّف. كلّ هذا ومسيحيّو لبنان لا يزالون ضحيّة أصحاب المشاريع الوصوليّة ولو أتت على حساب الوجود الحرّ والامتداد التاريخي لحركة الجماعة المسيحيّة في لبنان.

يوم حمل المسيحيّون السلاح دفاعاً عن النفس، خُيِّل إليهم أنّ المهمّة مستحيلة حتّى برزت المؤسّسة التي تجاوزت الصراعات الداخليّة واحتوتها لتؤسس لجبهة متراصّة الصفوف متجانسة في القرار والرؤيا فكانت القوّات اللبنانيّة نتيجة تطلّعات المسيحيين التاريخية إلى الأمن والاستقرار. طوال فترات الحرب الأولى شكّلت القوات اللبنانيّة صمّام الأمان في المنطقة الشرقيّة فكان قرار الإجهاز عليها. لم تكن القوات لقمة سهلة لأنّها شكّلت تجسيداً لأحلام شعب يتوق إلى الحريّة وبما أنّ استعباد الشعوب لا يتمّ إلا بعد أن ينسى تاريخه كان الانقضاض على المقاومة من الداخل كفيلاً بأن يجعل الطرف المسيحيّ يشعر أنّه خسر الحرب فيخرج مجتمعه منهكاً بعد أن أرهقته الصراعات الداخليّة التي سبّبها حصان طروادة آنذاك.

في كلّ البلدان الحضاريّة عندما يقع الخلاف بين مكوّناتها السياسيّة تلجأ الحكومات إلى رأي الشعب إلّا في لبنان، فبعض السياسيين المستفيدين من الواقع الرمادي القائم للحفاظ على ما تبقّى لهم من نفوذ متضرّر جراء انشغال العراب السوري في حربه الداخليّة، يسعون لتأجيل الانتخابات ليبقى البلد عرضة لصراعات قد تنتقل إليه من الدول المجاورة بسبب تمادي حزب الله في التدخّل عسكريّأً ولوجستيّاً في سوريا.  فها هي كلمات بشير الجميّل تتحقّق فالبلدان التي ساهمت في إشعال الحرب في لبنان تفكّكت من الداخل وها هي تتخبّط في صراعات أقل ما يقال فيها أنّها شبيهة تلك التي حصلت في لبنان.  
إذا كان هناك من درس قد نستقيه من كلّ الحروب التي مررنا بها فهو أنّ لبنان لا يحكمه أحد بالقوّة ولا مجال للإبقاء على الواقع الحالي المتميّز باعتماد سياسية النعامة ففب لبنان قيادات شجاعة تحاول الوصول إلى بناء دولة بعيدة عن سياسات المحاور والاستزلام، بعيدة عن الارتهان لمشاريع إقليميّة تناقض كلّ ثقافات المجتمع اللبناني التاريخيّة.

الفرصة امامنا قد لا تتكرّر، فتشكيل حكومة تشرف على الانتخابات دون تأجيل هو أمر حيوي بالرغم من سعي البعض إلى تفخيخ طريق التأليف عبر تصويرهم أنّهم أجمعوا على التكليف مّما قد يحرج الرئيس المكلّف ويعرقل تنفيذ مهمّـته. كذلك الأمر بالنسبة لإجراء الانتخابات فالتمدي للمجلس الحالي يعني الفراغ المطلق فانتخابات رئاسة الجمهوريّة على الأبواب أيضاً فالفراغ اليوم هو أشبه بالفراغ الذي أسّس لاندلاع الحرب في لبنان ففي غياب الدولة وانعدام الأمن والاستقرار لا يبقى للمواطن إلا الدفاع عن نفسه بنفسه ما قد يعيد إنتاج مشهدٍ نتسابق للتعبير عنه  بعبارة تنذكر و ما تنعاد.

نيسان في الذاكرة ليس مجرد أيامٍ ثلاثون، إنّه ضمير وطن مهدّد بالتفكّك ونور رسالة مهدّد بالاضمحلال في شرق متفتتّ، لذلك تبقى العبرة من نيسان أن لا ننسى في الأيام السهلة كلّ من استشهد في الأيام الصعبة فنحوّل نيسان إلى النسيان. نيسان ليس شهراً للذكرى إنّما أمثولةً نتعلّمها كيلا نقع في فخّ مسبباتها من جديد ومن له أذنان فليسمع فالحرب على الأبواب وإن لم تتذكّروها ستعاد.
    
 
الموقف APR 15, 2013
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد