
في كلّ مرّة يحطّ فيها شهر نيسان رحاله في روزنامتنا الوطنيّة المحليّة، تكثر المحطّات السياسيّة والسياديّة الشاخصة أمامنا، ولا ضرورة بطبيعة الحال لإعادة ذكرها كلّها، كون ذاكراتنا الجماعيّة تغصّ بها.
إلّا أنّ إحدى هذه المحطّات السياديّة، ونعني بها استقلال لبنان الثاني، ليس بإمكاننا التغاضي عن إعادة وضعها على طاولة النقاش الإعلاميّ-السياسيّ اللبنانيّ سنويّاً، ذلك علّ البعض يأخذ منها العبر، ويقصّر على نفسه، قبل غيره، درب الجلجلة الطويل نحو استقلال لبنان الثالث، خصوصاً أنّ الواقعيّة السياسيّة، لكي لا نقول البراغماتيّة فتؤخذ بمعناها السلبيّ المطلق، أساس في العمل السياسيّ "الناجح".
فلمن قد تخونه الذاكرة، نعيد تذكيره بأنّ الجيش السوريّ بكلّ جبروته وشرّه، وعلى رغم قمعه لشبابنا وشعبنا الأعزل لأعوام عدّة، عاد ودُحِر في نهاية المطاف عن أرضنا، مكسوراً وذليلاً.
هذا في وقتٍ لم يكن أيّ ممّن يعتبرون أنفسهم "عقلاء" سياسيّين يتوقّع أنّ نضالاً شبابيّاً وطنيّاً من أحزاب وتيّارات وشخصيّات سياديّة عدّة، وفي مقدّمهم حزب "القواّت اللبنانيّة" الذي قدّم أكثر من شهيد على مذبح الوطن في مرحلة "السلم الفترض" - مثلما درج توصيفها -، سوف ينجح (النضال) في ما أخفقت الإرادة الدوليّة في تحقيقه.
خرج الجيش السوريّ من لبنان إذاً، في السادس والعشرين من نيسان العام 2005، غير أنّ خروجه كان عسكريّاً ماديّاً بحتاً أكثر منه خروجاً فعليّاً، بحيث بقيت له أرجل وأيد وأفواه محليّة تعمل بحسب أجندته ومصالحه.
من هنا، بات لبنان اليوم بحاجة إلى استقلال ثالث، يحرّره هذه المرّة من نفوذ الجارة سوريا ومن بقاياها المحليّة، كما يحرّره كذلك من سطوة الدويلة على الدولة اللبنانيّة.
وفي لحظتنا السياسيّة الإقليميّة، من يريد أن يتلقّف الدروس ممّن سلفوه محليّاً، كما ممّا هو جارٍ في محيطه، يدرك بما لا لبس فيه أنّ الاستقلال الثالث آتٍ لا محالة.
وإذا كانت القسطنطينيّة قد سقطت في أواسط القرن الخامس عشروالاتّحاد السوفياتيّ قد انهار في أواخر القرن العشرين، فدويلة من هنا ودول قامعة أخرى من
هناك، لهي آيلة إلى السقوط في القرن الواحد والعشرين طبعاً، بمعزل عن في أيّة مرحلة زمنيّة من هذا القرن، لتقوم مكانها دول ديمقراطيّة فعليّة.