حلم ابيض، حقيقي، لكنه مر كالحلم، جرعة امل وحياة وقوة، وتذكير كمسيحيين مشرقيين باهمية دورنا وحضورنا، وتمسكنا رغم كل المصاعب بارضنا وهويتنا وايماننا وانفتاحنا على الاخر، وعدم السماح لاية جهة لجرنا إلى تحالفات للاقليات، لأننا في قلب “الربيع العربي المبارك”، اكثرية مطلقة.
هذه كلمات قليلة تحاول توصيف زيارة الحبر الاعظم للبنان، البابا بندكتوس السادس عشر، الذي بقدومه الينا تجدد الامل في نفوسنا، ومع مغادرته لنا، ظهر علينا كالشبح نقيضه، صارخا مهددا كالعادة، مغيرا الوقائع كالعادة ايضا، ومحاولا الاستفادة من فيلم رخيص هابط مقيت، لتحريك الغرائز عله يسترجع من الرأي العام العربي تعاطفا وزعامة عابرة للبلدان تعيده إلى ما قبل احداث 7 ايار بعون العرب والمسلمين.

اما ابرز ما تضمنته زيارة الحبر الاعظم من محطات، غنية، بالغة الاهمية في دقتها، ومكانها والرسالة من خلفها، فكانت على الشكل التالي:
مواقف حاسمة، منفتحة ومؤيدة للربيع العربي، ووقف تصدير السلاح إلى سوريا، وضد القمع والقتل والتعذيب في الطائرة، خلال الرحلة من روما إلى بيروت.
استقبال ابيض مهيب على ارض المطار، بحضور رجالات الدولة كافة، وحضور شعبي مختصر، بضع مئات من الشباب والشابات، يمثلون مختلف الابرشيات والمناطق، من المسيحيين والمسلمين. كلمة رجل دولة ورئيس للبلاد القاها العماد ميشال سليمان، اهم ما ورد فيها عبارة "سيد حر مستقل" بكل ما تحمله من معاني نضالية خلال مرحلة الاحتلال السوري للبنان، وتحية من البابا للكاردينال صفير العظيم وللبطريرك الراعي وعبارات محية كبيرة للبنانيين وشعوب الشرق الاوسط.
توقيع السينودوس في بازيليك مار بولس، درعون حريصا، بحضور بطاركة الشرق ورجال الدين الممثلين لكافة الطوائف المسيحية، بالاضافة إلى رئيس الجمهورية، سينودوس تم توقيعه من داخل اكبر كنائس الروم الملكيين الكاثوليك في لبنان وبوجود البطريرك لحام، ورسالة واضحة لمسيحيي الشرق كي لا يكونوا اهل ذمة، بل رسل سلام وتواصل وتفاعل مع الاخرين، وكي لا يخافوا بل يكونوا كما دائما اقوياء رافضين للقمع والارهاب والتطرف، ورياديين في مجتمعاتهم، وبعد التوقيع عشاء خبز وملح لبناني - بابوي في السفارة البابوية في درعون.
صباح يوم السبت، زيارة القصر الجمهوري في بعبدا، وفود شعبية كبيرة على الطرقات، اسقبال تقليدي فولكلوري لبناني عند مدخل القصر يحتفي بالضيف الكبير، خلوة مع الرؤساء الثلاثة واجتماع بعائلاتهم، فخلوة مع رجال الدين المسلمين، ووثيقة قدمها مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني لقداسته، عبر فيها عن محبة المسلمين لاخوانهم المسيحيين في لبنان، وتمسكهم بالشراكة وثقافة المحبة والسلام، وتعهد للحفاظ على هذه الصيغة وعدم التفريط بها، بعدها كان احتفال حضره حوالي 750 شخص من قادة ووزراء ونواب وهيئات دينية وثقافية وسياسية وديبلوماسية تمثل نخبة المجتمع اللبناني، وكلمتان تختزنان جرعات القوة والثقة لرئيس الجمهورية وبابا السلام.
ولا ننسى تصريحات رئيس حزب القوات اللبنانية د. سمير جعجع، اختصرت على اهميتها، بأن زيارة يوحنا بولس الثاني عام 97 شكلت جرعة امل في بحر اليأس والظلمة، اما زيارة بندكتوس السادس عشر عام 2012 فهي لتجديد الامل الذي بات موجوداً وبقوة عند المسيحيين واللبنانيين.
بعدها كان لقاء لبطاركة الشرق الكاثوليك في بطريركية الارمن الكاثوليك في بزمار، وخلوة روحية قيمة عبقت بروحية السينودوس واجواءه المباركة.
بعد ظهر السبت، لقاء الشبيبة في باحة الصرح البطريركي الماروني في بكركي، لقاء الامل والشباب وصرخات العنفوان والصلاة والغد، بحضور الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، والبطريرك مار بشارة بطرس الراعي، والشباب اللبناني الجبار، اكثر من 70 الف شابة وشاب، جددوا عهد الايمان والمحبة والرجاء ليسوع مع قداسته. لقاء ساحر، ابيض مجيد وجزء جميل ناضر من حلم لبنان التاريخي الابيض الذي امتد لثلاثة ايام.

صباح الاحد، اليوم الكبير، جموع لبنانية بالالاف تحتشد على الطرقات المؤدية من السفارة البابوية إلى واجهة بيروت البحرية الجديدة في وسط العاصمة. احتشدوا مزينين بالابيض والاصفر، متلحفين الاعلام اللبنانية، ليلقوا التحية عليه، ويقولوا له عبارات "نحبك"، "نحن اقوياء"، "نحن متمسكين بلبنان ولن نتركه"، "نحن هنا لنبقى ونستمر"...
القداس الالهي، بحر لبنان دخل يابسته، لف غابة الارز التي احيطت بالمذبح، بحر ابيض، بحر 350000 مؤمن، مناضل شريف قوي من لبنان الرسالة، قدموا من اقاصي لبنان وبلدان الاغتراب، وتخلله المئات من المؤمنين غير اللبنانيين، الذين ارادوا مشاركة لبنان فرحته، احرار من سوريا والعراق ومصر والفيليبين واثيوبيا وفرنسا والمكسيك واسبانيا والولايات المتحدة الاميركية... قداس الرجاء، بركة الاله الاقدس التي ترافق لبنان في اصعب المحن، بركة ومحبة يسوع القائم من بين الاموات، رجاء امنا العذراء مريم حبيبة اللبنانيين اجمعين، رجاء البابا وسلامه، وتجديد العهد للبنان. انه مشهد تاريخي ستتحدث عنه الايام وتخلده كما خلدت زيارة يوحنا بولس الثاني، الطوباوي الحبيب الذي ذكر عشرات المرات في الخطابات التي القيت خلال هذه الزيارة. عظة الرجاء، وكلمة ختامية، وسلام ومناولة...
المحطة ما قبل الاخيرة، لقاء مسكوني جامع، مع البطاركة والاساقفة الكاثوليك والارثوذكس في مقر بطريركية السريان الكاثوليك، دير الشرفة في درعون حاريصا، ووصية للوحدة والتعاون والمحبة.
اما الوداع فكما كل محطات الزيارة، مميز، حار، مؤثر، مليئ بالفرح لكن ايضا حزين لمغادرة صديق لبنان ارض هذا الوطن...
سلامي اعطيكم... لا تخافوا
هذا كان شعار زيارة قداسته للبنان، زيارة عبرّ الفاتيكان عن دهشته وفرحه لعظمتها ونجاحها الكبير.
أما نحن فنرد السلام لبابا السلام ونقول... لن نخاف يا ابانا، نحن هنا، لنبقى ونستمر.