الإعلام الاجتماعي الجديد لم يعد غيمة عابرة يشهد العالم بزوغ فجر العصر التكنولوجياللامحدود، فأصبح الإعلام الإجتماعي أو ما يعرف بالـ social mediaمتنفّساً أساسياً يرافق الكثير من الناس وبخاصة الشباب.فيزوّدهم أبرز التطورات التي يحبّون معرفتها ويفتح لهم حلقات نقاش لا حدود لعدد حاضريها ولا للأفكار التي تدوّن على صفحاتها. وقد كشفت الانتفاضات السياسية التي تعصف ببعض البلدان العربية، الدور الكبير الذي بات يلعبه الاعلام الاجتماعي في عملية التغيير. انها بحق "ثورة شباب الانترنت" وثورة تعبّر عن وعي معلوماتي لدى جيل نشأ في زمن لعبت فيه تكنولوجيات الاتصال الحديثة، دور "الملهم" و"المحرّض" و"المفجّر".
هذا الإعلام الجديد لم يعد مجرد مواقع إلكترونية ضمن ملايين المواقع المنتشرة على أثير الشبكة العنكبوتية، بل أصبح التركيز على المحتوى الاجتماعي أسلوباً خاصاً في الحياة،وشأناً اعلامياً بامتياز.وبفضل هذه الثورة الالكترونية أخذت هذه المواقع وغيرها من أشكال الإعلام الجديد تُغيّر عادات الناس. فصار بإمكانهم تبادل الآراء والمعلومات التي باتت تتدفّق بشكل هائل، وأصبح تقبّل الرأي الآخر ومناقشته أمراً عادياً، ليصبح بذلك كل زائر أو متابع بمثابة مراسل ميداني واعلامي ينقل صورة الحدث ووَقعه لحظة بلحظة،اذا ما توفّر له هاتف جوال أو حاسوب شخصي أو اتصال بالانترنت.
إعلام جديد...لجيل جديد
تخطى الاعلام الجديد مهنة الاعلاميين التقليديين وأصبحت الصحافة الالكترونية تتمتع بحرية أكبر من الصحافة العادية، بالرغم من تعرضها لكم هائل من الاسفاف والفوضى في نقل المعلومات وفي المواقع. ولكنها فوضى خلاقة يتطور معها الاعلام الاجتماعي بشكل سريع، ويزداد جدية ومهنية وشعوراً بالمسؤولية، ويشق طريقه بقوة في عالم الاعلام والاتصال.فتشير الإحصائيات إلى وجود أكثر من 2000 موقع اجتماعيما يوضح أن العالم يتجه للاستقرار في بيت جديد وهو شبكات التواصل، وبدأ يسحب البساط من تحت الإعلام التقليدي. وبرز ما يعرف بمواقع التواصل الاجتماعي وخصوصاً منها "الفايسبوك"الذي تجاوز عدد المشتركين فيه الـ750 مليون مشترك بحسب مارك زوكربرغ مؤسس الموقع، و"تويتر" و"ماي سبيس" و"غوغل بلوس" و"فليكر"، الذين خلقوا إعلاماً مختلفاً عن الإعلام التقليدي سواء في الطرح أو التفاعل أو سرعة نقل الخبر وتدعيمه بالصورة الحية المعبّرة. ولا بد من الاشارة الى الدور الرئيسي الذي لعبته هذه الشبكات الاجتماعية في انتفاضات 2011 في العالم العربي، واستطاعت أن تتفاعل مع هذه الأحداث على مدار الساعة وأن تنقل الحدث أولاً بأول من مكان حدوثه، بسرعة انتشار مذهلة لا يستطيع الإعلام التقليدي مجاراتها بأي ظرف من الظروف.
من صنع التغيير؟
قد لا تنتهي مواقع التواصل الاجتماعي والصفحات الإحتجاجية على شبكة الإنترنت. وقد تحاول بعض الأنظمة حجبها عن المواطنين وبالتالي قمعهم وقمع حرية التعبير لديهم، ما يؤكّد أن أهمّية الإعلام الإجتماعي لم تعد تكنولوجية الأبعاد فحسب، بل هي في عصر قد تصنع فيه التغيير والثورات وتستنبط منه ايديولوجيات جديدة يفرضها شباب الانترنت.
ولأنها بدأت تربط بين أطراف المجتمع وتنمو بسرعة، لم يعد بوسع الحكومات الحالية والقادمة أن تتجاهل أهمية هذه الشبكات الاجتماعية.عليها أن تتدرّب على مواجهة هذا النوع من التحديات، لان ما يجري ليس غيمة عابرة. انها مجموعة من السحب السوداء، تجمعت وتراكمت وتفاقمت شحناتها الكهربائية والمغناطيسية. لهذا تبدو الدول قلقة ومرتبكة لانها تواجه اليوم ما هو أخطر. شبان يتدفقون من الجامعات والثانويات الى الشوارع. شبان لا ينتمون الى حزب بل يتشاركون الواقع القائم والرغبة في تغييره. شبكات التواصل الاجتماعي تسهل مواعيدهم.واستخدام شبكات الانترنت تشعل ثورتهم. لا يحركهم قائد ملهم، لانهم أسياد وأد الفتنة أو حتى إشعالها.
... ومن الباقي؟
لذلك على الحكومات أن تبادر الى استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية، ولا تنتظر حتى تجد نفسها مضطرة لاستخدام هذه الوسائل للتواصل مع الشعب. ومن الممكن أن تكون مماثلة لتلك الكيفية التي تمكن بها باراك أوباما من الفوز بالرئاسة. فعام 2008 قلب قواعد اللعبة كلها،لان انتخاب أوباما في ذلك العام يعود في جزء كبير منه إلى التنظيم الهائل الذي أدى الى زيادة الدعم والتصويت. ولعب الإعلام الاجتماعي دوراً رئيسياً في ذلك، وبنيت حملته من خلال شبكة كبيرة من الداعمين على شبكة الإنترنت قاموا بتنظيم عملية الاقتراع، وساهمت في حملة لجمع التبرعات كانت قياسية حيث قُدّرت حصيلتها بـ600 مليون دولار كما أنها عرضت أشرطة مصورة شوهدت ملايين المرات على شبكة الإنترنت.
ولا بد من الاشارة الى أن دولة الإمارات العربية كانت من أولى الدول التي استشعرت أهمية وسائل التواصل الاجتماعي، وبادر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، إلى إنشاء صفحته الخاصة على مواقع التواصل الإجتماعي المتنوعة والتي من أبرزها الفايسبوك والتويتر لتكون نافذة يتواصل من خلالها مع أبناء الإمارات والتعرف على آرائهم ومقترحاتهم والإجابة عن أسئلتهم. فلا بد أن تتابع الحكومات ومؤسساتها استخدامها لوسائل التواصل الحديثة بينها وبين الشعوب، لتضمن الوسائل التي تنشر رسائلها ولتؤمن بقاءها داخل السلطة.
"كرة ثلج" الإعلام الإجتماعي
ان الاعلام الاجتماعي نقل العالم بأسره من عصر المعلومات الى عصر اليقظة الذي تتدفق فيه المعلومات بشكل غير مسبوق. فأصبح الاعلام الجديد هو ذلك الإعلام الديناميكي التفاعلي الذي يجمع بين النص والصوت والصورة في ملف واحد. وأصبح بالامكان التفاعل مع الطرح الإعلامي وقراءته والتعليق عليه وطرح آراء كثيرة ومتعددة حوله والخروج بمجموعة من الرؤى والأفكار، حول الموضوع الواحد مما يثري الحوار والنقاش حول تلك المواضيع المنشورة على الصحف الإلكترونية. وما هو لافت أن الإعلام الجديد استفاد من التكنولوجيا الحديثة التي باتت تطوّقنا من كل مكان وتؤثر في أدائنا اليومي، وبرزت بفضلها قيادات شابة جديدة لعل أبرزها المصري وائل غنيمخبير تكنولوجيا المعلومات في شركة غوغل، الذي شبه الإعلام الإجتماعي بكرة ثلج صغيرة تتدحرج من قمة الجبل لتصل الى قعره هائلة الحجم، هذا ما يعرف بـ "snow ball effect" أو تأثير كرة الثلج. ولعل التجربة المصرية تبدو خير دليل على مفعول آليات التواصل وأهميتها الفائقة على صعيد نشر الأفكار والإطلاع على آراء الناس وتطلعاتهم بغية توحيدهم حول مطلب قد يأخذ شكل ثورة كبيرة كما حصل في مصر، ويهدّد دولاً أخرى.فهل نستوعب ونواكب هذا النوع من الإعلام لمصلحة الإنسان وتطوره؟