خطّ غرينتش هو خط افتراضي وهمي لحساب الوقت ويقسم الكرة الارضية الى قسمين، وتقع دمشق في النقطة 33° 30′ 35″ وعلى خط العرض الجغرافي وفي النقطة 36° 18′ 33″. ما يعني انّ العاصمة الشامية تبعد فقط 3 ساعات في القياس الزمني عن غرينيتش الانكليزية.
وفي عملية اسقاط الزمني - التاريخي على مقياس "الحرية"، تبعد دمشق البعثية عن غرينتش الانكليزية في بلاد "الماغنا كارتا" أكثر من 1400 عام جاهلية. و"الماغنا كارتا" هي "أول وثيقة دستورية في التاريخ صدرت عام 1215، وتُعدُّ معلما بارزا من معالم تطوّر الحكومة الدستوريّة في بريطانيا. وانتفعت بها معظم البلاد الغربية في القرون اللاحقة، لأن كثيرا من الأقطار الديمقراطية اتبعت نهج القانون الإنجليزي في إنشاء حكوماتها".
في الزمن الجاهلي الأول، لم يستطع الانسان أن يتصور ما وراء الطبيعة، ولم يتخيل حياة بعد الممات، فعبد الاصنام، والحيوان، والأشجار.
وفي الزمن الجاهلي الثاني أصبح الناس يعبدون البشر، والبشر ينشرون الخراب والظلام، انها أصنام جلدية متحركة تجوب المدن والشوارع، تفوح منها روائح الدم المتأسد الممتص من ارواح العباد المتشلل من اياديهم المصفقة لصنم مسخ يعجز لسان جاهلية القيس والاعشى وبن حجر على هجائه.
وتاريخ العرب القديم والحديث زاخر بقصص غريبة عن حكام وولاة وسلاطين جيرت السموات والارض والجحيم لصالحهم، ونسجت حكايات خرافية ضد منتقديهم والثائرين على سلطانهم الظالم الباغي.
فكما كانت "الزندقة" و"الشعوبية" تُهَمْ توجّه الى الثوار ورجال الفكر والقلم في العصور القديمة، اصبحت "المعارضة والحرية والديمقراطية..." ظِنَّة وتهمة بالعمالة والتكفيرية بحق "الشعب يريد اسقاط الاصنام".
اصنام الزمن الثاني ليست في الميادين ودور العبادة، انها في مجالس الشعب، والعسكر والصحافة والجامعات وصروح الفكر والتعليم... وعلى رأسها اله خلق لسنوات نظام سياسي لا يمكن ان يُحكَم الا بطريقته ومن خلال شخصه المباشر، فلم يبني دولة تقوم على المؤسسات التي تتشكل منها الدول الحديثة، فهل سمعنا يوما عن القضاء في سوريا؟
وعندما يرحل الطاغي لا تسقط معه "الدولة" لأنها غير موجودة أصلا، لذلك لا يمكن لهذه المجتمعات والناس الذين تحت السحق ان يبنوا ديمقراطية تحكمهم في قياس زمني خلال 3 ساعات أو ثلاث سنوات... فالوصول من دمشق الى غرينيتش يتطلب رسم خطوط عريضة ومحطات كثيرة وأولها حصل وبدء باقتلاع هاجس الخوف لدى الشعب ليحطم الاصنام، ومن ثمّ تأتي مراحل التأهيل السياسي والاجتماعي...
والجدير بالاهتمام والمتابعة، ان مراحل التطور الفكري السياسي لدى الافراد والجماعات في عصرنا الحالي تبدلت عما كانت عليه في الدهور الماضية فالتغيير بات أسرع وأنشط. صحيح ان لا قيمة للوقت في نظر الايديولوجيين والديكتاتوريين، بيد ان زمن الثورة الفرنسية والانكليزية الذي استمر عشرات السنين لاثبات اهدافها ودوافعها، و"حرب البسوس" التي اشتعلت 40 عاماً بين قبيلتي تغلب وشيبان من سنة 494، أو "حرب المئة عام" بين الانكليز والفرنسيين من 1337 إلى 1453، هذا الزمن يختلف كثيرا عن زمن القرن الحادي والعشرين مع ثورة الاتصالات وحركة المبادلات بين الشعوب والمجتمعات والدول، وانفتاح الحدود الثقافية والسرعة في تكوين الرأي العام المحلي والعالمي تجاه أي قضية مما عزّز فكرة "التضامن الانساني"... هذه المتغيرات بدلت الكثير من المفاهيم ومنها "الوقت" بتحويل الكرة الارضية الى قرية كونية رسخت فكرة العيش وحبّ الحياة والحريات والتلاقي... ومن ينكر وجودها هو فاشل وعاجز وسيطرد خارج الزمن والوقت.