معادن الجماعات السورية والمرأة الكردية استثناء
تحقيق DEC 16, 2014
الحرب فرصة. في البداية، هيمناسبة لتستعيد الجماعات أدبياتها الخاصة، وربط ماضيها المجيد بحاضرها الصعب. وفي الختام، هي فرصة لقياس صلابة ومعادن الجماعات وبئس رجالها كما قياس التغيرات السلطوية في داخلها.

في سوريا، تختلف وظائف الجماعات وتشكّل السلطة داخلها بين جماعة وأخرى. بداية مع الجماعة الأقدم، تبدو المسيحية على اختلاف مذاهبها مغلوب على أمرها في سوريا وتبدي تبعية ذليلة للنظام استجابة لمخاوف بطش الأكثرية المحتمل، في حين تبقى السلطة الفعلية داخلها للنخبة الثيوقراطية فيها.

والسنّة، وإن كان يصعب وصفهم كجماعة واحدة خلال الحرب السورية، إلا أن العودة إلى الجذور الإسلامية راجت بينهم مع فشل محاولات إصلاح النظام أو الثورة عليه سلمياً، فباتت السلطة موزعة داخل الطائفة ما بين "خليفة" وزعماء قبائل ورجال دين متعددي الخلفيات وقادة عسكريين منشقين عن النظام.

أما العلويين والدروز، فلم تغيّر الحرب كثيراً في وضعهم الذي كان سائداً أيام السلم. بقي الأولون ممسكين بالسلطة عبر الدولة ويستخدمون الجيش أداة وستاراً حزبياً لقتال الجماعات الأخرى والغلو في إراقة الدماء، بينما لا يزال التردّد والتنبه وعدم الغلو في التحالفات سيد الموقف لدى الدروز. كذلك، لم تتغيّر التركيبة السلطوية داخل هاتين الجماعتين خلال الحرب، فبقيت السلطة عندهما موزعة ما بين المدنيين ورجال الدين، ولكن بميلٍ واضحٍ لصالح المدنيين عند العلويين ولصالح رجال الدين عند الدروز.
 

ليست الحرب السورية حرباً دينية ومذهبية بشكل كامل، إذ إن العامل الإثني يدخل في الحسبان فيها. ويشكّل الأكراد هذا الاستثناء الإثني شبه الوحيد عن بقية السوريين، ورغم أنهم أقلية عددية بمقابل أكثرية عربية، إلا أنهم أظهروا صلابة عودهم في قتال الآخرين كما تعاضد ملفت فيما بينهم. فيما كان للمرأة الكردية دوراً لافتاً في الحرب التي خاضتها "الدولة الإسلامية" على منطقة كوباني وغيرها في الأشهر القليلة الماضية.

على عكس كل الجماعات الدينية والمذهبية الآخرى المحكومة من رجال الدين أو رجال السلطة أو رجال البدلات المرقطة، يبقى التنظيم السياسي والعسكري للأكراد في سوريا متمايزاً بمناصفة في القيادة وشبه مناصفة في العديد ما بين الرجال والنساء. ويُردّ ذلك إلى عوامل عدة تُعطي الأفضلية لواقع المرأة الكردية مقارنة مع تلك العربية وتجعلها أكثر فِعلاً وتأثيراً واهتماماً بالشأن العام.

في البدء، يلعب التاريخ الأدبي دوراً مهماً في تعزيز دور المرأة داخل الجماعة الكردية، وذلك عبر إنشاءه لذاكرة تاريخية للجماعة الكردية قائمة على المساواة وتلخصها أسطورة "ميم وزين". هذه الأسطورة التي باتت مروية عند أكراد اليوم، ويتناقلها الأباء على مسامع الأجيال الجديدة، تحكي قصة حب طويلة ومعقدة بين شخصيتين هما ميم وزين، واللذان يمنعهما أعدائهما وظروف الحياة من الزواج. ورغم أن الأسطورة تنتهي بمأساة دفنهما جنباً إلى جنب، إلا أن الرواية تعطي في كل تفاصيلها دوراً متساوياً بين الرجل والمرأة وذلك على عكس أغلب الأساطير الذكورية لشعوب شرق المتوسط.
 


كذلك، فإن لغلبة التيارات اليسارية على الأكراد السوريين والأتراك خصوصاً تأثيراً إيجابياً في إعطاء دور أكبر للمرأة في المجال السياسي والعسكري. بالمقابل، يبقى دور المرأة الكردية في العراق وإيران أقل ظهوراً، وذلك لأن القوى المسيطِرة فيهما محافظة دينياً وإجتماعياً. بالإضافة إلى ذلك، يلعب الكم العددي للجماعة شأناً في دور المرأة فيها، فالأكراد، ورغم أنهم يشكلون حوالي 30 مليوناً في الشرق الأوسط، هم أقليات عددية في كل بلدٍ يتواجدون فيه مقارنة مع العرب والفرس والتُرك. وبما أن جزءاً كبيراً من الحرب مرتبط بالقدرة البشرية، يضطر الأكراد إلى الاستعانة بالمرأة أكثر من غيرهم في المعارك.

ليس من الحتمي أن يكون لتحرر المرأة الكردية نتائجاً إيجابية على صعيد الجماعة، إذ أنه وفي الوقت الذي تتهافت فيه للدفاع عن قراها وتسقط بين قتيلة ومصابة وأسيرة، تقوم المرأة العربية المحافِظة بـ"إنتاج" المزيد من المقاتلين في المنازل، ما يجعل زيادة التفاوت في العدد بعد كل معركة سبباً لضعف الأكراد في المستقبل وإن فازوا ببعض المعارك ضد العرب في الزمن الحاضر.
تحقيق DEC 16, 2014
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد