أنا كمان بيّ شهيد... قالها القائد بشير الجميل في أحد خطاباته، معزيًّا أهالي الشُّهداء، محيِّيًا صبرهم وعزمهم على استكمال القضيَّة اللبنانيَّة. كيف لا، وقد ذاق مرارة الكأس نفسها، ورغم لهيب قلبه، استمرَّ مقاومًا مصمِّمًا على قضيَّته، حبًّا بملاكه الرَّاحل.
في 23 شباط 1980، دوَّى صوت انفجار في الأشرفيَّة، كان يستهدف شيخ المقاومة الرَّئيس بشير الجميِّل. ولكنَّ الحصَّة كانت من نصيب ابنته مايا التِّي لم تكن قد أكملت بعد عامها الثَّاني.
عوَّدنا السوريُّون وعملاؤهم على سياستهم البرباريَّة حتَّى بحقِّ شعبهم وأطفالهم. فهل يا ترى سيرأفون بطفلة لم تتلفَّظ أولى كلماتها بعد؟ لا أظنُّ ذلك! فالنِِظام السُّوري لطالما كان عبارة عن مصَّاص دماء، لا يميِِز بين دم بريء ودم مذنب. ولم تكن هذه المرَّة الأولى أو التفجير الأوَّل الَّذي ينفِّذه في لبنان للانتقام، وردَّ اعتباره بعد أن لقَّنته القوَّات اللبنانيَّة درسًا قاسيًا وسحقته ولم تسمح له بالتوغٍّل شبرًا واحدًا في المناطق المسيحيَّة بعد حرب المئة يوم في الأشرفيَّة عام 1978.
على مايا، نزلت دموع سيِّد المقاومة، هي التِّي فرح بأخذها أولى أنفاسها وكلماتها، زوما لبث أن طلبها الربُّ منه... ولأجل ملاكنا مايا اليوم نصلِّي، لعلَّ القاتل يستنير، ويكفّ عن التدخُّل في بلادنا وقتل أطفالنا وشيوخنا ونسائنا. فالتَّفجيرات لا تزال دوريَّة حتَّى يومنا هذا، وحرمتنا آلاف الأبرياء وأبكت آباءً وأمَّهات وإخوة وأخوات في ظلِّ حكومات فاشلة غير قادرة على حماية أمن شعبها، في حين أنَّ الشّعب يصلِّي لأجل خلاص بلاده.
إنَّ مقاومتنا لم تكن يومًا مقاومة "زعران كابتاغون" ولم تتِّبع يومًا مشروعًا فارسيًّا أو سوريًّا، ولم تجعل من عناصرها مخرِّبين، وأكثر من ذلك مرتزقة للبدو والهمج. بل كانت وستظلُّ دائما مقاومة "مقاتلين" وليس "قاتلي أطفال"؛ مقاومة في سبيل قضيَّة لبنانيِّة دفاعيَّة وليس في سبيل ميليشيا معتدية؛ مقاومة قدَّم زعيمها ابنته على مذبحها ولم يأبه، ثمَّ تبعها لكثرة حنينه إليها؛ مقاومة شعب حرّ بكلِّ ما للكلمة من معنى، وليس شعبًا مستعبدًا كغيره من الـ"أشقَّاء" إذا صحَّ القول! إنَّها مقاومة شعب أراد الحياة على أرضه ولن يستريح قبل نيلها، إنَّها مقاومتنا.. مقاومة غير جميع المقاومات!