ليل لبنان: بين السهر والترفيه والهرب من الواقع المرير
تحقيق SEP 04, 2012
البترون، بيبلوس، جونية، الكسليك، الجميزة، مونو، الحمرا... تتعدّد عناوين السهر وتنتشر معها المرابع اللّيليّة والمطاعم والبارات والمقاهي لاستقبال روّادها.
فالسهر في لبنان لا يعرف أوّل الشهر من آخره.

أماكن السهر وأنواعها

لطالما اشتهرت بيروت بحياتها اللّيليّة المتنوعة منذ الستينات، ومع إعادة الإعمار بعد الحرب الأهليّة، ازدهرت الحياة اللّيليّة للمدينة مرّة أخرى.
وأشهر مناطق السهر في بيروت هي الجميزة وشارع مونو ومنطقة الحمراء حيث تتوزع الحانات والمطاعم والملاهي المتنوعة إرضاءً لجميع الأذواق، وحيث يمكن للساهرين انتقاء ما يناسبهم من موسيقى وطعام بحسب نمط الحانة أو المطعم.
ولوسط بيروت نكهة خاصة للسهر والجلسات واللقاءات/ من شارع المعرض، إلى اسواق بيروت، فشارع اورغواي والمرابع الليلية المنتشرة في مختلف ارجاء الوسط التجاري.


 
ولمن يرغب بالسهر خارج العاصمة بيروت، ليس عليه إلاّ التوجه شمالاً حيث المراكز الأخرى الرئيسيّة للسهر في الكسليك والمعاملتين وجبيل والبترون، حيث عناوين السهر الدائم.

فالكسليك والبترون والسوق القديم لمدينة جونية مشهورة بالملاهي اللّيليّة والمطاعم التي تقدم أجمل وأجود السهرات وبأسعار مقبولة ترضي أكثريّة اللّبنانيّين.
المعاملتين مشهورة بملاهي السوبر التي تقدم السهرات والاستعراضات لرواد هذا النوع من السهر.
ولا يمكن أن نغفل الحياة اللّيليّة في منطقة بيبلوس العريقة، خاصة في فصل الصيف، حيث يتوزع عدداً مهماً من الحانات في الهواء الطلق داخل السوق القديم حيث يمكنك أن تستفيد من أجواء تاريخيّة ساحرة وسط أحجار السوق الذي يخبر عن عظمة هذه المدينة.
هذا دون ان ننسى انتشار المرابع الليلية والمقاهي والمطاعم في دير القمر، وبرمانا، و"الزايتونا باي" على الواجهة البحرية الجديدة لبيروت، والزلقا، وجل الديب، وانطلياس، وزوق مكايل، وجعيتا، وضهور الشوير، وعالية، والقليعات، واهدن، والارز في بشري، وعين ابل والرميش وصور، وغيرها وغيرها العديد من المناطق اللبنانية.


 
لأماكن السهر أوجه عدّة، فمنها ما هو داخل أبنية حجريّة ذو ديكور وزخرفات مختلفة تتماشى مع أسلوب ونمط المكان، تتناغم مع الموسيقى والطعام، لتقدم نموذجاً لحضارات تشعر من خلالها كما وأنّك قد انتقلت إلى بلد آخر.

ومنها ما هو في الهواء الطلق كالحانات الممتدة في الشوارع إلى الملاهي الموجودة على أسطح المباني كما في بيروت، الطريق البحرية عند نهر الموت والزلقا، والاوتوستراد في جل الديب، والبترون، حيث تمتع هذه الأماكن الساهرين وتمنحهم الشعور بالحريّة والراحة والمرح.


 
ولا يمكن أن ننسى أنّ لعشاق ال Beach Party  أماكن عديدة ومنتجعات ضخمة تمتد على طول الشاطئ اللّبناني من الشمال، مرورا بجبيل وجونية، والعاصمة، وصولا إلى الدامور الجية والرميلة.
ولا ينحصر السهر في لبنان بالمناطق الساحليّة، فالمناطق السياحيّة الجبليّة كالأرز وحصرون وفاريّا وغيرهم تضجّ بالملاهي اللّيليّة والمقاهي خلال فصل الشتاء، وهكذا باستطاعة الساهرين قضاء يوم كامل في أحضان الطبيعة يختتم بسهرة كما لو كان في وسط المدينة.

ولا ينحصر ليل لبنان بالسهر، فلهواة العاب الميسر، مقصدهم الشهير، "كازينو لبنان" الذي يشرّع أبوابه للهواة كما وأنّه يستقبل الكثير من المسرحيّات والاستعراضات المحليّة والعالميّة.


 
ليالي لبنان دائما عامرة خلال فصل الصيف، حيث تعجّ كلّ القرى والمناطق بالمهرجانات التي تستقبل المطربين اللّبنانيّين والعرب والعالميّين. ومن أهمّ هذه المهرجانات تلك التي تقام في بيت الدين، بيبلوس، بعلبك، البترون، دير القمر، زوق مكايل، جونية وطبعاً الحفلات الضخمة التي يشهدها وسط بيروت ومجمعي FORUM DE BEYROUTH و BIEL.

أسباب السهر

بحثاً عن السعادة والترفيه، هرباً من السياسة، خوفاً على المستقبل، كسراً للروتين، طريقة للتعرّف، اكتشاف للهويّة، عيش الذات دون الحاجة للإختباء وراء قشور الحياة، التحرّر من ضغوط الحياة ومتطلّباتها، الحلّ الوحيد في غياب المنتجعات الرياضيّة... أسباب متنوّعة تزيد من حماسة الشباب لقصد أماكن السهر اللّيليّة.

فالرقص والغناء واحتساء الكحول يتيحون للساهر التعبير عمّا يعيشه من ضغط النهار فتكون وسيلة للتخلّص من المشاكل والهموم. وأيضاً، يتخلّى المرء في اللّيل عن جديّته ويصبح شخصاً آخر، بل على حقيقته فيخلع عن وجهه الأقنعة ولا يعود يبالي بكلام الناس والمجتمع وكأنّه يتحرّر من ضوابط هو في الأساس لا يؤمن بها.

ولأنّ اللّبنانيّ بطبعه يهوى الحياة والفرح والكيف فيهرب من ضجيج النهار ويملّ من السياسة لذا غالباً ما تغيب عن السهرات الإنقسامات الحزبيّة والأحاديث السياسيّة.


مشاكل السهر

مشاكل السهر عديدة لربما أهمّها هي الوضع الاقتصادي المذري الذي يعيشه معظم الشباب، فمنهم من يعمد إلى التقشّف طيلة الأسبوع ليسهر في نهايته ومنهم من يعمد إلى تحديد عدد السهرات في الشهر. لكن للسهر في لبنان عدة أماكن وكلّ منها على مستوى معيّن من التكاليف، فمنها ما هو محصور بميسوري الحال، ومنها ما هو بأسعار مقبولة.

وأيضاً، ومع كثرة الساهرين ومواقع السهر، ما أن يقترب يوم الجمعة حتى تشهد غالبيّة الأزقة والأوتوسترادات زحمة خانقة لا مثيل لها.

وأيضاً، حياة الليل لا تخلو كما النهار من روح المنافسة و "شوفة الحال" فيعمد بعضهم إلى تبذير كلّ ما يملكون في ليلة واحدة.


رأي علم الإجتماع

يعتبر علم الإجتماع أنّ اللّيل وقت يختبر فيه المرء الصفاء خارج إطار العمل خصوصاً في الشرق، فاللّيل مسار للأحلام، يناجي من خلاله المرء القمر والنجوم، حتى إنّ مختلف الأغاني الماضية تبدأ بعبارة يا ليل.

أمّا عن سرّ العلاقة الوطيدة بين الشباب والحياة اللّيليّة يعتبر علم الإجتماع أنّ اللّيل فسحة للحريّة والعودة إلى تحقيق حاجات الذات، فمنذ العصر العباسي كان يخالط الليل السهر والعشق مع الحريّة العاطفيّة والجنسيّة، والسمر والشعر، وظلّ ذلك موجوداً حتى يومنا هذا.

وأيضاً، يعتبر علم الإجتماع أنّ السهر وسيلة لتهرّب الشبيبة من واقعها ومشاكلها اليوميّة، لذا تبحث عن أيّ وسيلة تمدّها بالفرح والسعادة في ظلّ شعورها بالإنزعاج من انسداد الأفق.

وبالنسبة لدور السياسة في تمتين العلاقة بين الشباب والسهر، يؤكّد علم الإجتماع أنّه كلّما عمد السياسيّون إلى تهميش الشباب يشعرون بأنّ إنتماءاتهم السياسيّة ملحقة، ولا دور فاعلاً لهم في اتخاذ القرارات، فيزيد تعطشهم للهروب نحو المتعة والفرح واللهو، لذلك لا بدّ من توفير الفرص المناسبة لهم، فلا يمكن الإستمرار في استبعادهم، لأنّ ذلك يدفعهم للهروب أكثر فأكثر من الحياة إلى أماكن السهر اللّيليّة.
 

 
إذاً، فالحياة اللّيليّة في لبنان هي وسيلة للشباب اللّبناني ليشعر بالحريّة والعودة إلى الذات، وهي بالمقابل مورد أساسي يعود بالربح لأصحاب الملاهي والمقاهي من جهة، ولخزينة الدولة من خلال الضرائب من جهة أخرى.

وفي الختام، لا يمكن إلاّ الإستشهاد ببعض ما قيل عن حياة لبنان في الليل، ف"نيويورك تايمز" سنة 2010 ذكرت أنّ "حياة لبنان اللّيليّة فريدة لا مثيل لها" وأنّ "عاصمة لبنان هي فعلاً باريس الشرق الأوسط"، وفي صحيفة "الغارديان" البريطانيّة ذكر أنّ "لا مكان ساحراً كبيروت في كلّ الشرق الأوسط"، وفي "لونلي بلانيت" سنة 2008 ذكر أنّ "بيروت إحدى أكثر المدن حياة في العالم" وعلى محطة "سي.إن.إن." قيل أنّ "بيروت أجمل مدينة للّيل والثقافة وأمتع السهرات".

فحياة لبنان الصاخبة تبدأ مع الخيط الأوّل لشمس الصباح وتستمرّ بالحركة والحيويّة حتى آخر ظهور لنجمات اللّيل، تتواصل فيه شمس النهار ونجوم اللّيل لأنّ ليل لبنان هو أنوار نابضة مشعشعة وشمس أخرى في انتظار شمس الصباح. 
تحقيق SEP 04, 2012
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد