للموارنة كلمة.. صلبة!
الموقف DEC 14, 2015
منذ ما قبل المسيحيّة، ولبنان من عند الرب أرضٌ مقدّسة. ذُكر في الكتب المقدّسة، فتغنّى به الأنبياء وأحاطوا اسمه بهالةٍ عظيمة، فعرف بأرض القداسة والقدّسين. وبالأرقام ذُكر لبنان في ٣٠ سفر من كتب العهد القديم فن أصل ٦٧ سفر، واسمه ٧٠ مرّة، وأرزه ٧٥ مرّة، وذكرت مدنه وقراه كصيدا وصور وجبيل والصرفند.
 
ويمكن الإستددلال عن آية في العهد القديم تدكر لبنان وأرزه : "هوذا اعلى الارز في لبنان جميل الاغصان واغبى الظل وقامته طويلة وكان فرعه بين الغيوم" (حزقيال ٣١/٣).
 
وعهد الله مع لبنان يكتمل في العهد الجديد، في قانا الجليل إذ أن ابن الله حوّل الماء خمراً، فكانت بداية رسالة المسيح هنا من لبنان، فأضفت القداسة ختماً ختم الله به لبنان إلى الأبد.
 
وبدأت الرسالة وفعل الإيمان يتجذّر فينا، فصرنا إنطلاقاً من بداياتنا أي من أيام مار مارون شعباً ذو روحانيّة رهبانيّة نسكيّة، تأسست على الإيمان بالرب إلهاً ومخلّص، فكان حيث وجد راهب صاحب حياة نسكية مقدّسة، وجدت حوله جماعة مؤمنة، فكان مار مارون ومن أحاط به من مؤمنين وتلاميذ نواة الكنيسة المارونية.
 
وانطلقت رحلة تجذّرنا في هذه الأرض أي مند حوالي ١٦٠٠ سنة واستكملت مع انتخاب الشعب البطريرك مار يوحنا مارون أوّل بطريركاً للكنيسة المارونية وكان مقرّها في كفرحي في بلاد البترون منذ ١٢٠٠ سنة تقريباً.
 
ولكن تاريخنا بالرّغم من أنّه مطبوع برائحة القداسة، إلاّ أن صفحاته تطوي تاريخاً مرير مليئاً بالإضطهادات والدّم خاصّة أيام المماليك (١٢٥٠-١٥١٧) والعثمانيّين.
 
فالمماليك البحريين إتهموا الموارنة بمساعدة الفرنجة في الحروب التي سمّية بالـ"صليبيّة"، فنكّلوا بهم وقتلوا منهم الكثير، خاصةً في حريهم على كسروان التي سمّية بال"عصيّة" نظراً لصعوبة جغرافيّتها، فدمّروا كل ما طالت أيديهم من قرى وكنائس وأديار وأراضٍ زراعيّة وأعدموا البطريرك العمشيتي آنذاك.
 
فوُضع الموارنة تحت المراقبة الشديدة بسبب خوف المماليك من عودة "الصليبيّين"، فكانت النتيجة انغلاق الموارنة على بعضهم البعض مما حتّم القطيعة مع روما خاصةً بعد إنتصار المماليك عليها إذ أن العلاقة بين الكنيسة المارونية روما كانت قائمة لأن الموارنة أعلنوا ولاءهم لها.
 
ولكن مع المماليك البرجيين تحسنّة أوضاع الموارنة ولو كان بطيء إلى أن أتت معركة برج دابق في ٢٤ آب ١٥١٦ التي نقلت حبل لبنان من حكم المماليك إلى العثمانيين حتى سنة ١٩١٨ مع هزيمتهم في الحرب العالميّة الأولى.
 
كان لهذا التاريخ، أي أبّان الحكم العثماني، وقعٌ جديد على الموارنة إذ عرف لبنان التقدّم خاصّة من خلال رجالات الموارنة اللذين كانوا في طليعة المثقفين، ومن خلال الكنيسة المارونية ورجالها وبالأخص العلاّمة البطريرك اسطفان الدوهي، والبطريرك الياس الحويّك الذي معه تأسس لبنان الكبير، ومن خلال الرهبنات التي كانت منارة للعلم بحيازتها أوّل مطبعة في الشرق في دير مار مطانيوس قزحيا والكثير الكثير من الأمثال الأخرى إن كان في الأدب والصحافة وغيرها.
 
ولكن بالمقابل كان للحكم العثماني دور كبير في التفرقة بين اللبنانيّين وتجذير للطائفية التي لا تزال تفعل فعلها إلى اليوم، خاصةً بين الموارنة والدروز في أحداث ١٨٦٠ في المجازر التي وقعت بين الطرفين، وفي إسكات الصوت الحر وبالأخص في إعدامات الصحافيّين سنة  ١٩١٥ و أيار ١٩١٦، وفي القتل الغير مباشر للشعب اللبناني بتجويعه خاصةً سنه ١٩١٦ إذ مات عدد هائل من الناس بسبب الجوع عدا من هاجر إلى الخارج ولم يعودوا.
 
ولا يمكن نسيان أيضا قدّيسينا، قدّيسينا اللذين طبعوا أرضنا بطابع القداسة، تلك الهبة التي وهبها الله لنا، من مار مارون إلى مار يوحنا مارون، إلى مار شربل والقديسة رفقا ومار نعمةالله الحرديني.
 
فليس غريباً أن يهبنا الله ثلاث قديسين ولدوا تقريباً في فترة متقاربة، مار نعمةالله في ١٨٠٨ ومار شربل ١٨٢٨ والقديسة رفقا ١٨٣٢. فصار تاريخنا تاريخ مجبول بالدم والشهادة والقداسة، فكل قطرة دم تسقط تُنبت قدّيسن، وما لا يعلمه إلا القليل أن لبنان قدّم للعالم أكثر من ٨٠٠ قدّيس غير معلنين، ولكن الشعب قدّسهم، مثل ما قدّسوا مار مارون ومار يوحنا مارون.
 
وبعد تلك الفترة، برز دور الموارنة في تأسيس لبنان الكبير مع البطريرك الياس الحويّك، وفي تأسيس الجيش مع اللواء فؤاد شهاب والإستقلال مع الرئيس الراحل بشارة الخوري.
 
ولكن إبتداء من سنه ١٩٧٥ انطلقت شرارة الحرب والخطر الفلسطيني الذي في الواقع كانت بداياته قبل الحرب فكانت الأحزاب المسيحيّية وخاصةً المارونية في طليعة المدافعين عن لبنان كل لبنان، بالرغم من الخيبات التي وقعت فيها والهزائم أحياناً أخرى، ومع ذلك كانت تُعيد جمع صفوفها وتسطّر ملاحم وبطولات لا يزال إلى اليوم يذكرها التاريخ.
 
وبعد الحرب، لا نريد الدخول كثيراً في تلك الفترة، فترة السواد في التاريخ اللبناني ما عدا في نقطة واحدة وحيدة وهي: البطريرك مار نصرالله بطرس صفير الذي في ظل الوصاية السوريّة، كان هو وحدة الصوت الصارخ في البرّية، هو وحدة رافع راية الموارنة خاصةً والمسيحيّين عامةً في الشرق، هو وحده تجرّء على الكلام في ظل القمع والإعتقالات والتعذيب.
 
أما اليوم في ظل غياب الرئيس، لا نأمل إلا شيئاً واحداً، أن يأتي رئيس وفق تطلّعاتنا، ماروني للبنان كل لبنان، يعيد لنا كموارنة خاصّة وللّبنانيّين عامةً مرامتنا التي سقطت بسبب حسابات بعض الأشخاص الشخصيّة.
الموقف DEC 14, 2015
إستطلاع
مجلة آفاق الشباب
عدد استثنائي
إقرأ المزيد