٢٢ تشرين الثَّاني... يوم يلخِّص قصَّة وطن. هذا اليوم الَّذي تمكَّن فيه لبنان من انتزاع استقلاله، استقلال لم يبقَ لولا تضحيات مئات قل آلاف الشَّباب. في العام 1943، اجتمعت المكوِّنات الُّلبنانية مطالبةً باستقلال لبنان التام وعودة الحياة الدُّستوريَّة إليه وإجراء انتخابات نيابيَّة حرَّة وتشكيل حكومة وطنيَّة صحيحة، ما أدَّى إلى انتخاب بشارة الخوري رئيسًا للجمهوريَّة في 21 ايلول 1943 وتأليف حكومة برئاسة رياض الصلح.
عمدت الحكومة الجديدة إلى اعتماد اتِّفاق غير مكتوب بين المسيحيين والمسلمين يعبِّر عن صيغة عيش مشترك بين الُّلبنانيين ضمن لبنان الحرّ والمستقلّ. وُثِّق هذا الميثاق في خطاب بشارة الخوري وفي البيان الوزاري الَّذي ألقاه رياض الصلح أمام النوَّاب، وحوَّل مشروع تحويل الدُّستور إلى المجلس النِّيابي، ما اعتبر تحديًّا للسلطات الفرنسيَّة الَّتي سرعان ما أمرت باعتقال رئيسي الجمهوريَّة والحكومة والوزراء والزُّعماء الوطنيين واحتجازهم في قلعة راشيا. فقام رئيس مجلس النوَّاب آنذاك صبري حمادة ومعه الأمير مجيد إرسلان وبعض النوَّاب بعقد اجتماع في بشامون وشكَّلوا حكومة مؤقَّتة، ورفعوا العلم الُّلبناني المكوَّن من ثلاثة أقسام: الأحمر في الأعلى والأسفل والأبيض في الوسط تتوَّسطه الأرزة الخضراء. وفي ظلِّ احتجاجات ومظاهرات عمَّت جميع المناطق الُّلبنانية، ما إطُّر السُّلطات الفرنسيَّة إلى إطلاق المعتقلين، أعلن الاستقلال في 22 تشرين الثَّاني 1943، وأجبر الفرنسيُّون على الاعتراف به. أمَّا جلاء القوَّات الفرنسيَّة بشكلٍ نهائيّ فحصل في 31 كانون الأوَّل 1946.
استقبل لبنان آلاف الَّلاجئين الفلسطينيين على أرضه بعد تهجيرهم من أرضهم عام 1948، فاعتبروا حينها أنَّهم قادرون على تحويل لبنان إلى وطنٍ بديلٍ. وبعد وصولهم إلى لبنان، طالبوا بحقِّ مقاومة إسرائيل من على الأراضي الُّلبنانيَّة، الأمر الَّذي كرَّس الانقسام على السَّاحة الدَّاخليَّة. وفي عهد كميل شمعون، أي عام 1958، نشأت ثورة في لبنان بغية انضمام لبنان إلى الحلف العربي (الحلف بين مصر وسوريا) ما يضرب عرض الحائط الميثاق الَّذي بني عليه الاستقلال. ولم تنتهِ هذه الأزمة إلَّا بعد الإنزال الأميركي على الشواطئ الُّلبنانية وتدخُّل الأمم المتَّحدة.
لم يكد استقلال لبنان ينجو من المأزق الأوَّل حتَّى حاولت متغيِّرات داخليَّة وإقليميَّة أن تنال منه. فاشتدَّ الانقسام الُّلبناني وبلغ ذروته عام 1969 بعد اتِّفاق القاهرة الَّذي سمح بالوجود المسلَّح الفلسطيني على أرض لبنان. فتحوَّلت محاربة إسرائيل من قبل الفلسطينين إلى تعدٍّ على الشَّعب الُّلبناني وسيادة لبنان، وذلك بمساعدة الأحزاب اليساريَّة.
انفجر هذا الاحتقان بعد حادثة عين الرمَّانة في العام 1975. عندها، شُكِّلت الجبهة الوطنيَّة فقاومت تمرُّد الفلسطيني ونجحت في القضاء على هذه الحالة الشاذَّة وتمكَّنت من السَّيطرة على المخيَّمات الموجودة داخل ما عرف لاحقًا بالمنطقة الحرَّة أي الشَّرقيَّة. وبعد تدخُّلات إقليميَّة عديدة وتدخُّلات عسكريَّة من قبل الجانب الإسرائيلي والسُّوري، وبعد اتِّفاق دولي، نجحت القوَّات السُّوريَّة في فرض سيطرتها على لبنان. فتوجَّه الُّلبنانيُّون إلى الطَّائف ووقَّعوا اتفاقيَّة عُرِفت في ما بعد بـ"اتفاق الطَّائف". طعن الجانب السوري بالاتفاق، فنفي الجنرال واعتُقل الحكيم ودخل لبنان عهد الوصاية.
لم يطرد السُّوري إلَّا بتوحُّد المكوِّنات الُّلبنانيَّة، وذلك بعد أن قام النِّظام الأمني السُّوري باغتيال الشَّهيد رفيق الحريري في 14 شباط 2005.
بعد دحر الاحتلال السُّوري، حاول وما زال حزب الله يحاول أن يفرض سيطرته على لبنان من خلال استخدام سلاحه. فبعد أخذ لبنان إلى حرب مع إسرائيل كان بالغنى عنها في العام 2006، لم يتردَّد في استخدام سلاحه في 7 أيَّار محاولًا فرض واقع جديد على السَّاحة الُّلبنانيَّة ولكن من دون جدوى.
لم يكتفِ حزب الله بهيمنته على بعض قطاعات الدَّولة وباحتكاره لقرار السِّلم والحرب، تدخَّله أيضًا في الحرب السوريَّة على الرُّغم من توقيعه على إعلان بعبدا. عمد حزب الله على تفريغ مؤسَّسات الدَّولة، فعطَّل الانتخابات الرئاسيَّة بحجَّة دعمه للجنرال ميشال عون، لكن ومرَّة أخرى من دون جدوى. في هذا الوقت، عملت القوات الُّلبنانيَّة على التَّفاهم مع خصمها التَّاريخي وبعدها قامت بدعم ترشيح الجنرال ما أنهى الفراغ الرِّئاسي وأسَّس لعهد جديد.
رغم جميع هذه التحدِّيات والمصاعب، لم ينعس الحرَّاس ولم يجدوا مكانًا للاستسلام والتَّعب... فحافظوا على استقلال لبنان!